الخميس 20 نوفمبر 2025 05:06 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

الرياضة

أشرف محمدين يكتب: رفقًا بالقلوب الراقية: دعوة للتقدير قبل فوات الأوان

النهار نيوز

في زمن تتسارع فيه الخيبات وتتزايد فيه الوجوه التي تجيد الطعن أكثر مما تجيد الحنان، تبدو القلوب الراقية كالمهاجرين في أوطانهم: يعيشون، لكنهم مرهقون؛ ينبضون، لكنهم متعبون؛ يبتسمون، بينما تختبئ خلف ابتساماتهم آلاف الانكسارات التي لا يُفصحون عنها خوفًا من سوء الفهم أو الاتهام بالمبالغة.

هذه القلوب، على الرغم من رقتها، تحمل صبرًا يفوق ما تحمله الجبال، لكنها اليوم وصلت إلى حدها الأقصى. لم تعد تحتمل جرحًا جديدًا، ولا خيبة أخرى، ولا ندبة إضافية. فالقلوب الراقية لا تؤذي، ولا ترد القسوة بقسوة، ولا تجيد فنون الخذلان كما يفعل الآخرون. هي خُلقت لتحب، لتطمئن، لتسند، ولتكون ملاذًا آمنًا، لا ساحة معركة.

غير أن الزمن يصر على اختبار رقتها، وكأن الطيبة جريمة تستحق العقاب، وكأن الصفاء ضعف يجب استغلاله. هؤلاء الأشخاص يتألمون بصمت ويخسرون كثيرًا دون أن يشتكوا. وعندما يُجرحون، يخفون جراحهم خلف طبقات من التماسك، خشية أن يثقلوا على الآخرين أو يظهروا ضعفاء. ومع مرور الوقت، تتراكم الخيبات والجروح، حتى يتحول القلب من منارة تُنير الآخرين إلى جسد مرهق يبحث عن قبس نور لنفسه.

والزمن ليس وحده القاسي، بل البشر الذين تغيروا، والقلوب التي بَلَدت، والألسنة التي تجرح قبل أن تفكر. فالقلب الراقي لا يطلب سوى أن يُعامل كما يُعامل، أن يُحسن إليه كما يُحسن، وأن تُحفظ له مشاعر يقدمها للآخرين بسخاء. لكنه غالبًا ما يكون الأكثر تعرضًا للجفاء، وأكثر من يتلقى الضربات ممن أحبّهم أكثر مما ينبغي.

القلوب الراقية، رغم عطائها المستمر، تحتاج لمن ينقذها، لمن يحتضن ضعفها، لمن يقول لها ببساطة: «ارتح… أنا هنا». في أعماقها مساحة سرية تشبه الوقوف على حافة هاوية بين الرغبة في الاستمرار والخوف من الانكسار مرة أخرى. هذه القلوب لم تُكسر لأنها ضعيفة، بل لأنها أحبت بصدق في زمن صار فيه الصدق عملة نادرة.

أخطر ما يهدد هذه القلوب ليس الجرح وحده، بل الاعتياد عليه. فحين تعتاد الروح على الخذلان، تصبح هشة بطريقة لا يراها أحد، لكنها تشعر بها في كل نظرة، كلمة، وعدٍ لم يُنفذ، أو غياب غير مبرر. وعندما يصل القلب إلى نقطة اللاعودة، لا يثور ولا يصرخ، بل ينسحب في هدوء يشبه الموت البطيء.

رفقًا بالقلوب التي لم تخذل يومًا، التي ظلت تمنح الضوء للآخرين حتى وهي في الظلام، والتي كانت اليد التي تصلح العالم بينما لم يُصلح أحد ما فيها. رفقًا بالقلوب التي ما زالت ترى الجمال رغم تشوه الواقع، وما زالت تبحث عن النقاء رغم تلوث الطرق، وما زالت ترغب في الحب رغم آلاف الجروح.

فالقلوب حين تتعب لا تموت، لكنها تصمت، وحين تصمت، لا تعود كما كانت أبدًا. القلب الراقي ليس ملاكًا، بل إنسان صادق يريد أن يعيش بسلام… فهل من يوفّره له؟