السبت 23 أغسطس 2025 07:59 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : حرب المدن في السودان الكابوس المزعج للجيش السوداني

النهار نيوز

تمثل حرب المدن واحدة من الأشكال غير النمطية التي تخشي الجيوش النظامية مواجهتها و الاضطرار لخوض غمارها، و هناك العديد من التحديات المألوفة التي تتضمنها حرب المدن؛ ولذلك تقل الخيارات المتاحة أمام الجنود لمواجهة هذه التحديات ، وفي المقابل تزيد الحاجة إلى إعداد الجيوش النظامية للقتال في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.
تؤكد الأضرار الضخمة وعدد الإصابات الكبيرة في القتال في السنوات الأخيرة في العراق و سوريا منذ عام 2011 سواء في مدن الرقة، وحلب، ومراوي والموصل، و غيرها كيف أن تكتيكات الحرب الحضرية البدائية لا تزال قائمة، فضلاً عن الطبيعة المدمرة للغاية للقتال في المدن.
حرب المدن، أو "حرب الشوارع" كما يسمّيها البعض، تُعتبر من أصعب العمليات القتالية، التي لا تحبذ الجيوش النظامية خوضها تحت ضغط الميليشيات المسلحة المتمردة كما في المشهد السوداني الحاصل الآن ، وتعزي صعوبتها نتيجة تعقيدات كثيرة أهمها مسرح العمليات المختلف تمام عن نمط الحروب التقليدية ، إذ يُخاض القتال داخل المدن، بما فيها من مبانٍ، وشوارع، وأزقة، وسكّان، وهذا ما يسمح في كثير من الأحيان، بأن تتمكّن مجموعات مقاتلة صغيرة، تملك تدريباً مناسباً، وتمتاز بالصبر والهدوء، من هزيمة أعتى الجيوش، المجهّزة بأحدث المعدات.
وتعتمد "حرب المدن" بشكل كبير على الروح و العقيدة القتالية لمقاتلي ذلك النوع الراقي من الحروب ، ومعرفتهم بساحة المعركة، وتمكّنهم من أداء المناورة بالنيران و القوات ، و النجاح في العمليات الخاصة التي تتمحور علي الكمين والإغارة و ليس المواجهات التقليدية الواسعة.
بدون تكتيكات وأدوات جديدة للتعامل مع بعض التحديات الأساسية للقتال الحضري، تضطر الوحدات العسكرية إلى استخدام أساليب مدمرة للغاية لاستعادة المدن من المدافعين المتحصنين في البنايات المأهولة بالسكان، وتضطر القوات العسكرية النظامية لاتباع التكتيكات التي يمكن تلخيصها في شعار "تدمير المدينة لإنقاذها".
منذ المعارك الحضرية الكبرى في الحرب العالمية الثانية ، وفيتنام، وبنما ، وجرينادا ، والصومال ، والعراق ، ونزاعات أخرى ، طور الجيش الأمريكي وحسن معداته وتقنياته، وصار الجنود يملكون الآن أسلحة دقيقة متطورة تسمح لهم باستهداف طابق واحد من مبنى واحد في كتلة مزدحمة بالذخائر التي تقلل من الأضرار الجانبية التي تحيق خطرا بالمدنيين، وطائرات بدون طيار للمراقبة الجوية وتسليم الأسلحة ، والأقمار الصناعية العسكرية لاستخبارات الإشارات والحرب الإلكترونية ، وحتى الهجوم السيبراني و القدرات الدفاعية.
على الرغم من كل التكنولوجيا المتقدمة، و الغير متوافرة بالطبع للجيش السوداني، لا تزال هناك خيارات أو أدوات محدودة للغاية لواحد من أكبر التحديات المهيمنة تاريخياً للقوات العسكرية التي تقوم بعمليات هجومية في المدينة ، وتُصَعب المدن المأهولة بالسكان علي القوات المهاجمة والمدنيين أيضا المحصورين بين شقي الرحي حتي مجرد عبور الشارع.
إن القيود المفروضة على التكتيكات والأدوات الحالية المتاحة للجنود في القتال في المناطق الحضرية، لا سيما في الأعمال الخطرة لعبور المناطق المفتوحة ، توضح أن هناك حاجة إلى أفكار ومقاربات جديدة حين تكون المدينة هي ساحة المعركة، مثل المشهد الحالي في معظم المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني و ميليشيا الدعم السريع .
حرب الشوارع ومن ضمنها حرب المدن هي معارك تجري داخل المدن بين الأحياء والأزقة؛ وسط العوائق والمباني. وتتميز بصعوبتها بالنسبة للجيوش المقتحمة على وجه الخصوص، حيث تكون الأفضلية غالبا لمجموعات المقاتلين القاطنة في المدن والتي قد تتمكن من قهر أقوى الجيوش بعددها وعتادها.

تتمتع العناصر و المفارز الصغيرة لقوات الدعم السريع السودانية بميزات عسكرية كبيرة في مواجهة الدبابات ،و المدرعات ، و قطع المدفعية الثقيلة والمتوسطة للجيش السوداني ، أثناء المواجهات المحتدمة في معظم المدن السودانية ، فمفارز الدعم السريع خفيفة التسليح تتميز بالمرونة والسرعة التي تحقق لها المناورة القوات و النيران في المدن و الشوارع المُخبّرة بها أكثر من الجيش السوداني ذاته ، و غني عن البيان أن قوات الدعم السريع تمثل الآن الجانب المدافع في معظم المدن السودانية تستطيع حصر الدبابات الضخمة للجيش السوداني في أماكن ضيقة.

أيضا تعيق المباني السكنية و الحكومية أيضا حركة الدبابات التي يعتمد عليها باعتبارها السلاح الذي يحوز قوة الصدم التدميرية الضخمة ، فمدافع الدبابات لن تستطيع التوجه للأعلى لاستهداف القناصة و حاملي الرشاشات من قوات الدعم السريع المتحصنين في أعلي المباني ، فتضطر الجيوش المهاجمة إلى التفرق وهذا ما يصب في صالح الجانب المدافع بشكل كبير أي قوات الدعم السريع ، ولن تجدي القصفات الجوية لجيش السوداني كثيرا في استهداف الدعم السريع إلا علي حساب الخسائر الضخمة في صفوف المدنيين .

تُعد حروب الشوارع ضمن الأكثر تعقيدا وشراسة، وغالبا ما تطول مدتها فيستنزف الطرف المهاجم من قبل مجموعات قتالية صغيرة تستهدف قوافله ودباباته أثناء تقدمها وتقطع عنه خطوط الإمداد، وعلى مر الزمن، شهد العالم أمثلة كثيرة على حروب الشوارع في مختلف بقاع الأرض.

وفقا للخبراء العسكريين، تتعدد الأمثلة على حروب الشوارع في العقود الأخيرة، ومنها معركة الفلوجة الأولى، التي آلت إلى فشل القوات الأمريكية في اقتحام المدينة العراقية عام 2004 بعد نحو شهر من القتال، ولم تتمكن من السيطرة عليها حتى حرب الفلوجة الثانية بعد عدة أشهر، فخلال المعركة، تمكن المقاتلون المتحصنون في المدينة من إرباك القوات الأمريكية باستخدام أسلحة بسيطة وأساليب حرب العصابات فألحقوا خسائر جسيمة بالجانب الأمريكي بأسلحته المتطورة، مما أدى إلى قصف عنيف وعشوائي للمدينة.

أيضا لعل أبرز هذه الحروب أيضا، معركة ستالينغراد الشهيرة، التي وقعت في مدينة فولغوغراد الروسية (ستالينغراد سابقا) ، و استمرت المعركة نحو ستة أشهر وأسفرت عن هزيمة قوات ألمانيا النازية أمام قوات الاتحاد السوفيتي السابق المدافعة عن المدينة خلال الحرب العالمية الثانية، وشكلت المعركة التحول المحوري الكبير في دفة الحرب العالمية الثانية برمتها ، حيث بدأ علي إثرها أكبر هجوم مضاد سوفيتي في تاريخ الحروب الحديثة ، وشكل ذلك الهجوم السبب الرئيسي في هزيمة ألمانيا بالحرب العالمية الثانية.

إن طول أمد معركة المدن في السودان سيصعب المهمة علي كاهل الجيش السوداني الثقيل بتشكيلاته و معداته التي تحتاج لعدم إداري علي مدار الساعة ، ومن المستبعد أن يلجأ الجيش السوداني في نهاية المطاف لحصار المدن السودانية التي تتحصن فيها التشكيلات و المفارز الخفيفة للدعم السريع ، وتجويع هذه المدن وقصفها باستمرار ليتسنى للجيش السوداني اقتحامها بلا أي جهد وبأقل خسارة ممكنة، في نهاية المطاف .

ما برحت الحرب الأوكرانية تذخر بالعديد من نماذج حروب المدن حيث تعرضت مدنا أوكرانية كبيرة الكثافة السكانية ، كمدينة ماريوبول على سبيل المثال وليس الحصر، لقصف جوي ومدفعي عنيف خلال الغزو الروسي ، وطال القصف الأبنية والبنية التحتية في المدينة، وتشير التقارير إلى أن الدمار شمل نحو 90% من المدينة التي "لم يستطع الجيش الروسي اقتحامها بالدبابات" فحولها إلى أنقاض .