الكاتب الصحفي مصطفى جمعة يكتب: أوزنغول.. «جنّة”تسقي الأساطير ”ماء الغمام»


(. اوزنغول …تبقى هنالك في موقعها الفريد في ولاية طرابزون التركية ، جنة تسقي الأساطير ماء الغمام، فيتشقق الزمان ويرحل المكان متى ظهرت فوق عرش من البحر فاتنةٌ، ومتى اشتعلت في يديها خطوط الكتابةِ، وانهمرت من أنامل عشقها غيومُ الحروف تجمع بين النجوم والأقمار والعطاء زمنها الذي يبدأ منه الفجر.
ترسم خارطة للزمان بلون الحقول فتتضاحك فيها الألوان تحرسها الشمس وترعاها الجبال مروحة خضراء على جسد الصيف أو تميمة معلقة على صدر الأرض إلى حين.
وطرابزون من أكبر المدن التركية في شرق البحر الأسود. وتمتاز بتاريخ عميق، وثقافة غنية وطبيعة جميلة من تضاريس جبلية وسهلية مختلفة من جبال خضراء وغابات كثيفة وبحيرات وأنهار وجداول مياه وشلالات وجو معتدل، فجبالها مكسوة بغابات أشجار الصنوبر والسنديان والزان، وتتنوع زهورها البرية التي تحيط بالمنطقة بكاملها كما تتميز بغزارة أمطارها طوال العام فتتخلل مياهها من وسط الغابات وبين الصخور منسابة نحو البحر.
أما عن تسمية المدينة، فحسب الأساطير اليونانية اشتُق اسم طرابزون من اسم بطل من أبطال الخرافات اليونانية، لكن لا يوجد دليل واضح يثبت من أين جاء اسم المدينة. ويقول بعض المؤرخين إن اسم المدينة مشتق من كلمة ترابزيوس، وتعني بلغة أهل الأناضول القديمة أربع زوايا، ويقصد هنا بالزوايا الأربع شكل زوايا قلعة المدينة التي تقع على سطح مستوى بين الوديان العميقة.
وطرابزون عروس فوق البحر تحمل ألف جناح من أجنحة الطاووس،و تنسج فيها الموسيقى مهداً للأحلام ويبني القمر فوق جبالها ومروجها برجاً من فضة، فتمشي القناديل عبر كتاب الزمان فتمطر قلب العصور سحاباً من الذكريات.
طرابزون أرضها في البحـــــر سابحــة تُمجـد الله في ســـــــرٍ وإعــــلانِِ وطيور جبالها مقبـــلة كـــــأنها العــقد من حبات مرجـان وأنوار، بيوتها فوق الشامخات أضواء فرح في كـــل ناحــيـــــةٍ، وورودها في كل مكان يفوح منها طيـب النسائم وأعلامها ترقص منتشية ببهجتــهــا وطــيـــورها المتعددة الالوان والاشكال تسمعها تردد عــــــذب التغــاريـد.
طرابزون نقشت في قلب الصخر طرقا تسلكها الأحلام، لا تترك من يصعد إليها إلا و تمتلئ يداه بضوء النجم لكونها حسنـاء فــاتنـة تتمتع بعذوبة الجمال السحري وريعان الدهشة الدرية فيها جمال الكون أجمعه وبها سحرُ الأماكن التي تسر العين وتجذبها، وأزهارها وأريجــها طــــيبُ الأنفاس كالعــــطـرِ،كما تنتشر الكثير من القرى على سفوح جبالها الدائمة الخضرة ولعل أبرزها على شكل هضبة مكسوة بالأشجار قريبة من وسط المدينة طرابزون، ترى في النهار منها كل معالم المدينة وفي المساء تمتع عينيك بمشاهدة المدينة وقد رسمت نفسها بأضوائها واحتضنت بحرها الأسود.
يوجد في مدينة طرابزون 12 نهراً أهمها نهر القلعة، نهر السيرا، نهر فلودرة، نهر يان بولو ونهر سورمينا. كما تحتضن 4 بحيرات أشهرها بحيرة «أوزونغول»، التي تكونت من السيول الشتوية امتزجت مياهها بخضرة الأشجار التي تحفها من كل جانب.تقع في حضن الجبال المكسوة بالمراعي الدائمة الخضرة التي تنساب مياه جداولها من بين صخورها التي تنتهي بالبحيرة.يمكنكم الجلوس بظلال أشجارها المحيطة بها والاستمتاع بمشاهدة طبيعتها العذراء التي لم تمسسها يد بشر ونسيمها العليل.كما يمكنكم مشاهدة الأسماك في مياهها.وقمة المتعة ان تقوموا باستئجار مركب بالمجاديف وتبحروا عبر مياهها ،وتضفي عليها مزيداً من السحر والجاذبية، ليلاً عندما يسودها الضباب ويلف غاباتها فتبدو إحدى روائع الخيال، وفي الشتاء تتجمد البحيرة وتغطي الثلوج المنطقة.
مدينة طرابزون تلك اللوحة الفنية التي رسمها المبدع على أرض الكون والذي ترى فيها لون السماء كأنه ضوء الفجر قبل أن يلفه الصباح بدفء شمسها
وتتردد أسطورة بين السكان أن الراهبين برنابا وسوفرينوس رأيا في منامهما السيدة مريم تحمل المسيح عيسى عليه السلام بين يديها مع المبشرين الاثني عشر (تلاميذ عيسى عليه السلام)، وتؤشر بأيقونة نحو موقع الكنيسة فذهب الراهبان من دون اتفاق إلى مدينة طرابزون، والتقيا هناك وأخبرا بعضهما بالرؤيا التي رأوها ووضعا أساس الكنيسة، إلا أن امبراطور طرابزون أليكسيوس كومنينوس الثالث منح الكنيسة اهتماماً كبيراً لذلك يعتقد بعض المؤرخين أنه من بناها.
ويوجد في طرابزون متحف آيا صوفيا، وهو يتفق في الاسم فقط مع آيا صوفيا في إسطنبول، وكذلك عدة كنائس و مساجد؛ فيوجد جامع الفاتح، وجامع السمرجيلار، وجامع إسكندر باشا، وجامع غولبار خاتون.
وتقع مدينة طرابزون بين ريز وغايرسن وغوموشين وبيبرت، وتغطي الجبال والهضاب الخضراء 77% من أراضيها و تزايدت شعبيتها مؤخراً كمقصد يضم الكثير من المعالم الأثرية العائدة بتاريخها إلى حضارات متعددة، إذ خضعت المدينة، قبل أن تنطوي تحت راية الدولة العثمانية في عام 1461م، للعديد من الإمبراطوريات ابتداءً بالفارسية والمقدونية، مروراً بمملكة البونتوس والإمبراطورية الرومانية وانتهاء بمملكة الكومينوس.
ومن مواقع طرابزون التاريخية قلعتها التي تعتبر من أكثر القلاع محافظة على شكلها في يومنا هذا، وهي تظهر واضحة في المدينة إلا أن زيارتها غير ممكنة بسبب وقوعها في منطقة عسكرية.، وأيضا منزل مصطفى كمال أتاتورك الذي يقع في سوغوكسو على بعد 7كم من مركز المدينة، وقد بناه المصرفي اليوناني قسطنطينوس كاباجيانيديس على الطراز السائد في أوروبا القرن التاسع عشر، ومكث فيه أتاتورك فترة زيارته إلى طرابزون في عامي 1930م و1937م، وفي عام 1964م تم تحويله إلى متحف.
وتشتهر مدينة طرابزون بخبزها. ويتميز بحجمه الكبير وشكله شبه الكروي. وكذلك تميزها بمعجنات الجبنة، وسمك الأنشوجة ذي الحجم الصغير، ويطهو الطرابزيون من هذا السمك كل شيء من الشوربات إلى السمك المقلي والمحشي. ويصاد هذا السمك من البحر الأسود في الشتاء، و بعد الصيد يرقص الصيادون رقصة الهورون المشهورة عنهم.
أما عن الموسيقى والرقصات الشعبية في المدينة فيستخدم السكان آلة الكافال، وهي آلة موسيقية تشبه الناي مصنوعة من القصب، والزرنة وهي من الآلات الشعبية في العراق وسورية، كما يستخدم الكمان. وتشتهر طرابزون برقصة الهورون. كما أن للمدينة فريق كرة قدم يُصنف ضمن أقوى أربعة فرق تركية.