السبت 23 أغسطس 2025 06:25 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : قراءة دستورية في الفيتو الرئاسي لرئيس الولايات المتحدة

النهار نيوز

فضلا عن الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي، فإن الدستور الأمريكي كفل للرئيس حق الفيتو علي مشروعات القوانين الصادرة عن الكونجرس، حيث أن القانون لا يصبح نافذا إلا إذا صادق الرئيس عليه، فإذا صادق عليه، يتحول عمل الكونجرس Act إلي قانون law or statute، رغما من أنه يبقي باسمه الأصلي Act ، وإذا رفض الرئيس الأمريكي المصادقة عليه، فإنه يعيده الي الكونجرس مع بيان أسباب معارضته لهذا القانون.

تجدر الإشارة أيضا إلي أن الرئيس لا يحق له أن يستخدم الفيتو إلا في خلال عشرة أيام بالتقويم الميلادي من وصول القانون إليه، وهي المدة التي حددها الدستور الأمريكي، مع عدم احتساب أيام الأحد التي قد تتخلل هذه المدة، حتي إذا مرت هذه المهلة ولم يصادق الرئيس عليه، اعتبر القانون نافذا نهائيا، فامتناع الرئيس عن الرد أو إعادة مشروع القانون موقعا عليه، أو مرفقا به أوجه اعتراضاته ضمن المدة الزمنية المحددة وفقا للدستور، مع تمكنه من ذلك، يعد قرينة قانونية قاطعة علي موافقته الضمنية على قرار الكونجرس.

لقد أقرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية في عدد من أحكامها بعض المبادئ المتعلقة بهذا الخصوص، نذكر أهمها:

  1. إن الرئيس غير مقيد بأن يوقع علي مشروع القانون في يوم يكون فيه الكونجرس في حالة انعقاد، فهو يملك أن يوقع في أي وقت خلال المدة التي أشرنا إليها سالفا .
  2. إن واجب الرئيس في الموافقة علي مشروع القانون هو مجرد التوقيع عليه، فهو لا يحتاج أن يكتب علي الوثيقة كلمة ( Approved )، أي تمت المصادقة عليه، ولا التاريخ أيضا .
  3. يصبح مشروع القانون المقدم إلي الرئيس قانونا صالحا للتنفيذ من تاريخ الموافقة عليه من جانب الرئيس .

وبالرغم من ندرة الحالات التي استطاع فيها الكونجرستخطيالرئيس من أجل اقرار مشروعات القوانين في غيبةالمصادقةالرئاسية، بيد أننا نشير إلي بعض من أبرز تلك الحالات: حينما اعترض الرئيس نيكسون علي مشروع قانون سلطات الحرب عام 1973. وتغلب أيضا الكونجرس علي تسعة من اعتراضات الرئيس ريجان خلال ولايته، التي استمرت من عام 1981 إلى عام 1988، والتي بلغت 87 اعتراضا .

وتختلف الصور التي يمارس من خلالها الرئيس الأمريكي سلطتهفي الاعتراض علي مشروعات القوانين التي وافق عليها الكونجرس، وهيوفق الآتي:

أولا: الاعتراض الصريح و النظامي (Regular Veto)

يستخدم ذلك النوع من الاعتراض للإشارة إلي تصرف الرئيس عندما يرفضالموافقة علي مشروع القانون المشتركالذي أقراه مجلسا الكونجرس، ويعيده مع الاعتراض إلى المجلس صاحب الاقتراح، وهنا فاعتراضالرئيس الصريح لا يترتب عليهالقضاءنهائيا علي مشروع القانون، ولكن يعاد النظر فيهثانية من مجلسي الكونجرس، وتقرير مصيره في النهاية. وحين تصل رسالةالفيتو من الرئيس إلي المجلس الذي اقترح ذلك المشروع فإنه مطالب دستوريا بإعادة النظرفي هذا المشروع ودراسته .

ثانيا: الاعتراض المستتر (اعتراض الجيب Veto Pocket )

حين يقوم الكونجرس بتقديم مشروع قانون ما بعد الموافقة عليه منقبل مجلسيه إلى رئيس الجمهورية في المدة المحددة، وفي الوقت نفسه لم يوافق عليه خلال المدة المتبقية من دور الانعقاد فإنه في هذه الحالة لا يتحول مشروع القانون إلىقانون، و ذلك علي الرغم من عدم قيام الرئيس بإرسال اعتراضاته عليه إلى الكونجرس. وتعرف هذه الآلية، التي تعد أحد الامتيازات الرئاسية، باسمالاعتراض غير المباشر أو "اعتراضالجيب"Veto Pocket .

درج الكثير من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية علي عدم أخذ مشروعات القوانين المقترحة من الكونجرس مأخذ الجد،وذلك نظرا للكم الهائل من عدد هذه المشروعات، ويتحرج الرئيس من الموافقة علي معظمها، ويتذرع بالصمت، ويترك القانون نائما في جيبه، و لعل ذلك يعد أحد الأسباب الرئيسيةلتسمية ذلك الاعتراض بـ “اعتراضالجيب".

وخلافا للاعتراض النظامي أو الصريح السابق الإشارة اليه، فان اعتراض الجيب "هو اعتراض مطلق وذو فاعلية أكبر"، إذ لا يستطيع الكونجرستجاوزه أو التغلب عليه، لأن مشروع القانون المعروض عليه لا يعاد الى الكونجرس لأنه غير منعقد أصلا.

هذا النوع من الاعتراض يؤدي إلى قتل مشروع القانون، والقضاء عليه نهائيا، وليس أمام الكونجرس من سبيل للخروج من هذه المشكلة سوي إعادة صياغة مشروع قانون مشابه للذي تم الاعتراض عليه، وتقديمه للرئيس للحصول علي موافقته، وسيمر المشروع الجديد بذات المراحل التي مر بها سابقا وهو ما يعني تجدد النزاع والتحدي بين الجانبين.

النظرية الأمريكية للقضايا السياسية

لا يمكن تناول الفيتو الأمريكي المتقدم دون البحث في مشكلة توزيع الاختصاصات بين الرئيس الأمريكي والكونجرس في ميدان السياسة الخارجية، وقد تصدت المحاكم الأمريكية في مناسبات عديدة وحسمت هذهالعلاقةالتي كان الدستور الأمريكي ذاته قد تناولها أيضا. ولقد اعتمد القضاء الأمريكي معيارا لتمييز تلك الأعمال السياسية وقسمها إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى (المسائل المتعلقة بالعلاقات الخارجية): تضم الاعتراف بالحكومات الأجنبية، إعلان حالة الحرب والسلم، وشروط صحة المعاهدات، والوضع القانوني لممثلي الدول الأجنبية.

الفئة الثانية (المسائل المتعلقة بإبعاد الأجانب، وبالنظام السياسي الداخلي): وتضم سلطات الحكومة المركزية على الأقاليم، وتحديد المقصود بالحكومة الشرعية، وتحديد معنى النظام الجمهوري أو الديمقراطي، وهذه المسائل تعد شأنا سياسيا ليس للقضاء أن يراقب الرئيس والكونجرس في تناولهما لها.

  • الثالثة (تحديد نهاية الحرب): تعد من المسائل السياسية التي يستقل الرئيس بتقديرها، وذلك التقدير من المسائل السياسية التي تخرج عن نطاق ولاية القضاء، حيث لا يملك القضاء الوسائل الكافية لوزنها، فضلا عن أن القضاة ليسوا الجهة المسئولة عنها مسئولية رسمية.

لقد أعلنت الهيئات القضائية الفيدرالية الأمريكية دوما عدم اختصاصها للنظر في القضايا المتعلقة بسلطات الحرب للرئيس. وهكذا فإن المحكمة العليا الأمريكية بعد أن أقرت السلطة الكاملة والحصرية للرئيس بوصفه الهيئة الوحيدة للحكومة الفيدرالية في ميدان العلاقات الخارجية، رفضت أن تحكم حول الكيفية التي يمارس فيها الرئيس هذه السلطة.