السبت 23 أغسطس 2025 08:59 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : هل يمكن أن يتصاعد التوتر في كوسوفو إلى حرب مفتوحة؟

النهار نيوز

كاتب هذه المقالة : الدكتور أيمن سلامة – عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية ، وضابط الاتصال السابق لقوات الناتو في البلقان 1997-1998 .

خلفية النزاع بين كوسوفو وصربيا

كانت حرب كوسوفو نزاعاً مسلحاً بدأ في 28 فبراير 1998 واستمر حتى 11 يونيو 1999، وخاضته قوات جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود)، التي كانت تسيطر على كوسوفو قبل الحرب، وجيش تحرير كوسوفو، انتهى الصراع عندما تدخلت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ببدء الضربات الجوية في مارس 1999، مما أدى إلى انسحاب القوات اليوغوسلافية من كوسوفو.

دخلت القوات البرية لحلف الناتو كوسوفو في 12 يونيو/حزيران 1999، وبعد الحرب تم تجميع قائمة وثقت مقتل أكثر من 13500 شخص بينهم مفقودون خلال الصراع الذي دام عامين، حيث تسببت القوات اليوغوسلافية والصربية في نزوح ما بين 1.2 مليون إلى 1.45 مليون ألباني كوسوفو، وبعد الحرب فر نحو 200000 من الصرب والغجر وغيرهم من غير الألبان من كوسوفو، وكان العديد من المدنيين الباقين ضحايا للانتهاكات، وتم حل جيش تحرير كوسوفو بعد انتهاء الحرب بفترة وجيزة، حيث واصل بعض أعضائه القتال في وادي بريشيفو، وانضم آخرون إلى جيش التحرير الوطني والجيش الوطني الألباني خلال الصراع العرقي المسلح في مقدونيا، بينما ذهب آخرون لتشكيل شرطة كوسوفو، وبعد انتهاء الحرب في يونيو/حزيران 1999 بدأ العديد من اللاجئين الألبان بالعودة إلى ديارهم من البلدان المجاورة، وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 1999، وفقاً للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد عاد 848100 من أصل 1.108.913.

صراع الضّدَين اللدودين

باختصار غير مخل ، الصراع بين الكيانين عَصي علي الحل ، علي الأقل ، في قابل الأيام ، لأن كوسوفو لا تريد التنازل عن سيادتها وبلغراد لا تعترف بها، كما يعتزم المتشددون من الطرفين الاستفادة من الصراع الأوكراني لتغليب مطالبهم

تفكك الاتحادين السابقين السوفيتي و اليوغوسلافي

جلي أن المقارنة بين تفكك الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا، لا يخلو من الأهمية. في كلتا الحالتين ، شكل الاتحادين في العهود الغابرة إمبراطوريات متعددة الجنسيات قائمة على العقد الاجتماعي الملتبس ، وهذه الامبراطوريات لم تنجو من قوة التأثيرات التاريخية والعرقية والثقافية.

مخالب الدب الروسي في البلقان

بين دعم دوديك العضو الصربي في الرئاسة الثلاثية للبوسنة، ودعم صرب كوسوفو، أثبتت روسيا بنجاح قدرتها على استغلال الانقسامات الطائفية لتجميد وتكثيف الصراعات في البلقان، حيث تنجح الأنشطة الروسية في البلقان في إثارة قلق الغرب، ففي الوقت الذي يبحث فيه الكرملين عن طرق للهجوم على الغرب، سيستمر التدخل في البلقان باعتباره فرصة منخفضة المخاطر لروسيا لتهديد أمن أوروبا، وسيستمر المسؤولون الموالون لروسيا في البوسنة وصربيا في تعزيز المصالح الإقليمية الروسية مقابل الدعم الدبلوماسي، لذلك يتم دعم روسيا للشتات الصربي إلى كوسوفو والبوسنة، لتأخير حل النزاع الصربي الكوسوفي البوسني، فهذا الخلاف مهم للسياسة الخارجية لروسيا.

كما عارض بوتين في السابق تدخل الناتو في حرب كوسوفو عام 1999، طرح بوتين مؤخراً سؤالاً حول ما إذا سمح لكوسوفو بالانفصال عن صربيا بدعم الغرب، فلماذا لا يمكن لشبه جزيرة القرم وإقليمي دونيتسك ولوغانسك الانفصال عن أوكرانيا؟ ،وتعليقاً على الأحداث الأخيرة في كوسوفو، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية واصفاً الكوسوفيين بالمتطرفين، وبأنهم يتخذون خطوة أخرى نحو طرد السكان الصرب من كوسوفو.

وفي نفس التوقيت اتهمت روسيا، وهي من بين 97 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف كوسوفو كجزء من صربيا، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقف وراء الاستفزازات الحالية في المنطقة، وتحافظ موسكو على علاقات قوية مع صربيا واستضافت العام الماضي بشكل مشترك التدريبات العسكرية "الدرع السلافي" في البلاد، على الرغم من احتجاجات القادة الغربيين.

تجدر الإشارة إلي أن ، عندما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الحرب على أوكرانيا، نزل آلاف الصرب إلى الشوارع في العاصمة بلغراد لإظهار دعمهم، وكان العديد منهم يحملون لافتات كتب عليها "دونباس هي روسيا، وكوسوفو هي صربيا"، وأغرقت وسائل الإعلام الروسية فضاء المعلومات بمقالات تزعم أن التوترات كانت خطأ الغرب، وأعرب العديد من المسؤولين الروس عن دعمهم لصربيا، فقال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير دشاباروف، في الأول من أغسطس 2022 إن روسيا يمكنها مساعدة صربيا بالدعم العسكري إذا لزم الأمر .

تحاول موسكو في هذه المرحلة استغلال الجمود الذي طرأ في السنوات الأخيرة على مساعي الاتحاد الأوروبي للتوسّع في منطقة البلقان، لأسباب عدة، من أهمها خشية بعض كبار الدول الأوروبية من موجات هجرة كبيرة من دول البلقان في حال انضمامها إلى الاتحاد.

كذلك، تجد معظم دول البلقان صعوبة في الإيفاء بالإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة من أجل الموافقة على دخولها إلى الاتحاد. لهذا السبب، صعّدت روسيا منذ العام 2017 تعاونها الاقتصادي والعسكري مع بلغراد، وخصوصاً أنّ موسكو تعدّ المورد الأساسي للغاز الطبيعي إلى صربيا، بكميات تصل إلى 2 مليار متر مكعب، تصل إلى صربيا عبر خطّ أنابيب يمر بالمجر وأوكرانيا.

القوانين الكوسوفية الجديدة تثير حفيظة الصرب

انفجر التوتر في كوسوفو بين سلطات بريشتينا والأقلية الصربية مرة أخرى بعد أن قررت سلطات كوسوفو تطبيق الاتفاقات المبرمة بين بريشتينا وبلغراد التي أُبرمت في بروكسل بوساطة الاتحاد الأوروبي ، والتي تنص على المعاملة بالمثل للقواعد المتعلقة بوثائق الهوية ولوحات أرقام السيارات.

كانت سلطات كوسوفو ، اعتبارًا من 1 أغسطس ،أصدرت قراراً مفاده " يجب إعادة تسجيل السيارات ذات اللوحات الصربية والحصول على لوحة ترخيص كوسوفية "، فانفجر التوتر علي الحدود الصربية- الكوسوفية ، ووضعت شاحنات ومركبات ثقيلة مختلفة علي الطرق الرئيسية بين البلدين ، على ما يبدو بمبادرة من المواطنين الصرب ، لمنع حركة المرور نحو معبرين حدوديين احتجاجًا على الحظر المفروض الذي أعلنت سلطات كوسوفو فرضه على لوحات الأرقام الصادرة عن بلغراد .

لقد وصف الرئيس الصربي "ألكسندر فوتشيتش "قوانين كوسوفو الجديدة على أنها عدوانية، ويقول إن التغييرات في لوحة الأرقام هي محاولة "لطرد" الصرب من كوسوفو، بينما قالت كوسوفو وحلفاؤها الغربيون إن معلومات مضللة تنتشر حول إقرار كوسوفو تغيير لوحة أرقام السيارات الصربية التي تدخل كوسوفو.

تصريحات رسمية تثير الفتن وتهدد السلم

ألبين كورتي ، رئيس حكومة كوسوفو: الساعات المقبلة ، الأيام المقبلة ، الأسابيع القليلة المقبلة قد تكون إشكالية للغاية ». الرئيس الصربي ألكسندر فولسيتش يظهر على شاشة التلفزيون خريطة لكوسوفو مغطاة بالعلم الصربي: "نصلي من أجل السلام ، لكن إذا أساءوا معاملة إخواننا وقتلوا ، فسترد صربيا". ، أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا : "على بريشتينا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وضع حد للاستفزازات". ، ولم يقتصر الأمر علي زاخاروفا ، فقد صرح ديمتري بيسكوف ، المتحدث باسم بوتين: «بالطبع ، نحن ندعم صربيا بكل تأكيد. نحن قريبون من صرب كوسوفو. ونعتقد أن مطالب سلطات كوسوفو مطالب غير معقولة على الإطلاق. يجب على الدول التي اعترفت بكوسوفو وعملت كضامنة أن تستخدم كل نفوذها لتحذير سلطات كوسوفو من اتخاذ أي إجراءات طائشة يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد."

هل يمكن أن يتصاعد التوتر إلى حرب مفتوحة؟

جعل الغزو الروسي لأوكرانيا المواجهة بين صرب بلغراد ، الحلفاء التاريخيين لموسكو ، وألبان بريشتينا ، ضحايا قمع بلغراد في الماضي ثم دعمهم حلف شمال الأطلسي ، أكثر انفجارًا، فبواعث الفوضى و الاضطراب أقوي و أعلي من كوابح ضبط الفتن وكبح الاحتقان .

عوامل الخطر هي عدم الاستقرار التقليدي القديم الجديد في آن ، في البلقان ، فليس من قبيل المبالغة أو الإثارة الحديث عم مصلحة موسكو في جلب الحرب إلى قلب أوروبا من خلال دفع بلغراد إلى سيناريوهات حرب لا يمكن تصور مداها وعواقبها الوخيمة في القارة العجوز ، كما لا يمكن الحديث عن المشاركة الحتمية لدولة مجاورة مثل ألبانيا ومقدونيا الشمالية في ثمة حرب جديدة في البلقان إن وقعت.

لقد هزت عمليات الاحتجاج وإطلاق نار يوم الأحد الموافق 31 يوليو 2022 شمال كوسوفو على طول حدودها مع صربيا، كانت المظاهرات ظاهرياً رداً على قانون جديد، حيث تم التحرك من قبل حكومة كوسوفو لتنفيذ ما يسمى بإجراءات المعاملة بالمثل مع صربيا، قبل الموافقة على تأخير الإجراءات لمدة شهر واحد، وفي بيان قال رئيس وزراء كوسوفو "ألبين كورتي"، إن العملية لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وأضاف أن الصرب كانوا يؤججون الاضطرابات، وزعم أن "هذه الأعمال العدوانية التي تحدث اليوم تم التخطيط لها ودفعها من قبل صربيا".

كيف ينزع فتيل الحرب في البلقان الخطر؟

في محاولات حثيثة من المجتمع الدولي لنزع الفتيل المحرق في البلقان، طلب ممثل الولايات المتحدة سلطات كوسوفو وحصل منها على تأجيل الإجراءات الأخيرة المتحدة لمدة شهر واحد ، وفي غضون ذلك ، يتعين على الاتحاد الأوروبي ، الذي يقوم بدور الوسيط بين بلغراد وبريشتينا ، أن يتخذ إجراءات بسرعة وفعالية. يجب أيضا دعم جهود الدبلوماسية الوقائية التي كانت البلقان المسرح الناجع لجهود الأمين العام السادس للأمم المتحدة حين فلحت جهود الدبلوماسية الوقائية في نزع أسفين الحرب بين اليونان والجمهورية المقدونية المستقلة حديثا في عام 1992 عن الاتحاد اليوغوسلافي.