الدكتور أيمن سلامة : هل تخلت سويسرا عن حيادها في الحرب الروسية- الأوكرانية ؟


في خضم الحرب في أوكرانيا، فاجئ الرئيس الأمريكي بايدن الجميع، في معرض اشارته عن التضامن غير المسبوق مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة و دول أخري ضد روسيا الاتحادية و التي وسمها الرئيس الأمريكي بالتاريخية .
أكد جو بايدن خلال خطابه الأخير أمام الكونجرس الأمريكي: "حتى سويسرا تعاقب روسيا وتدعم شعب أوكرانيا "، فهل حقا تتجاهل سويسرا كل تقاليدها و نظامها السياسي المتعلق بالحياد و الذي ارتضته لشعبها و اقليمها؟.
بادئ ذي بدء، من المهم بمكان الإشارة إلي أن 80٪ من التجارة الروسية في السلع يتم عبر سويسرا، و أن 30٪ من الأصول الأجنبية للأفراد والشركات الروسية مودعة في البنوك السويسرية.
فيما يتعلق بالعقوبات غير المسبوقة ضد روسيا، انضمت سويسرا إلى الغرب في خطوة لم يبالغ المراقبون حين نعتوها بالتاريخية.
يقينا ًستبقى سويسرا محايدة عسكريا ، حتى بعد قرار المجلس الاتحادي السويسري بالانضمام إلى العقوبات، ومن المهم بمكان أن نشدد علي أن القانون الدولي لا يفرض سوى بعض الشروط الصارمة والملزمة على دولة محايدة ، وعلى سبيل المثال ، لا يمكن لمثل هذه الدولة أن تدعم أي جانب من جوانب أطراف النزاع المسلح بأفرادها العسكريين أو أسلحتها، و لا يمكنها أن تضع أراضيها تحت تصرف أحد المتحاربين ، و لا يمكنها أيضا الدخول في أي تحالفات عسكرية.
في هذا الصدد، يختلف موقف سويسرا هذا اختلافًا ملحوظًا عن مسار السويد، التي اتخذت أيضًا (حتى وقت قريب) موقفًا محايدًا، وهي تزود أوكرانيا الآن بالأسلحة وتدرس إمكانية الانضمام إلى الناتو.
جلٌي أن الدولة التي تريد أن تظل محايدة أن تتصرف دائمًا بطريقة تجعل حيادها، حتى في حالات الطوارئ، يبدو مقنعًا، بحيث يؤمن به الجميع، لكن، ومع ذلك، فالدول المحايدة لا تجعل من حيادها" تابوها لا يجوز المساس به " ، فسياسة الحياد ليست "مصبوبًة في الجرانيت" على الإطلاق ، والدول الحصيفة تناور وتتصرف في المحيط الدولي بما يحقق في النهاية مصالح شعبها .
نافل القول، أن سويسرا حتى عام 1990، لم تمتثل سويسرا حتى لعقوبات الأمم المتحدة على الإطلاق، لكنها لم تكن عضوًا في المنظمة الأممية، لذلك، فالحالة الروسية ليست على الإطلاق نوعًا من الانفصال النوعي عن المسار السابق، لكنه يمثل تحول دراماتيكي متطرف غير مسبوق في النهج الحيادي لسويسرا ..
يري السويسريون أن عزوف سويسرا عن فرض عقوبات سيكون مجرد إساءة لنظرية وممارسة الحياد، ويتزرعون بأن في كثير من الحروب، ليس من الواضح من الجاني ومن هو الضحية، لكن ومع ذلك في الحرب في أوكرانيا ، وفقًا للقانون الدولي ، فإن الوضع واضح للغاية: روسيا هي المعتدي ، وأوكرانيا هي الضحية تمارس حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس ، ولذلك فمن لا يتخذ موقفا في هذا السياق يحول نفسه إلى شريك في العدوان ، وفي المقابل يري آخرون إن التنازل عن العقوبات ضد روسيا سيكون انتهاكًا حقيقيًا للحياد، ولكان من الممكن أن تخضع هي نفسها لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ختاما ، ستنبئنا جهينة السويسرية في قابل الأيام عن مدي التوجه السياسي الخارجي الذي تبنته لأول مرة في تاريخا الحديث .