الأحد 24 أغسطس 2025 05:08 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة : ماذا يعني اعتراف روسيا بالجمهوريتين الانفصاليتين في أوكرانيا ؟

النهار نيوز

وَقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الإثنين مراسيم تعترف بالجمهوريتين الانفصاليتين فضلا عن توقيع معاهدات الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة ، 21 فبراير 2022 ، وأثار القرار الروسي المتقدم إدانة العديد من الدول الغربية والمنظمات الدولية ، وعزمت الولايات المتحدة و الإتحاد الأوربي علي فرض جزاءات قاسية و غير مسبوقة لن تطال الدولة الروسية وحسب و لكن الرئيس الروسي نفسه و مسؤولين روس أخرين .

أعلنت جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية الاستقلال عن أوكرانيا بعد استفتاء غير رسمي على الوضع الجديد في مايو 2014، و بعد ذلك بوقت قصير، اندمجت كلتا الدولتين المعلنتين ذاتيا لتشكيل اتحاد كونفدرالي قصير العمر لنوفوروسيا والذي تم تعليقه بعد عام.

في نوفمبر 2014 ، أرسل ممثلو "نوفوروسيا" طلبًا للاعتراف الدبلوماسي إلى العديد من دول أمريكا اللاتينية ، و أهم هذه الدول دول تتبني النهج و النظام السياسي الاشتراكي مثل كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ، وبالرغم من ذلك لم ترد أي دولة على الطلب ، ما أدي إلي حل كونفدرالية "نوفوروسيا" في مايو 2015 .

جدير بالذكر أن المنطقة التي تسيطر عليها الجمهوريتان معترف بها دوليًا كأجزاء من أوكرانيا من قبل 192 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة باستثناء روسيا ، و لم تحصل الجمهوريتان الشعبيتان في دونيتسك ولوهانسك إلا على اعتراف دولي من بعضهما البعض ، فضلا عن روسيا ومن أوسيتيا الجنوبية ، التي تعترف بها 5 دول فقط من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة .

بعد ساعات من الاعتراف الروسي بالجمهوريتين الانفصاليتين ، أدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذلك الاعتراف ، واقترح عقد قمة بين بايدن وبوتين ، فضلا عن مطالبة ماكرون بفرض جزاءات ضد روسيا

أما الرئيس الأمريكي فقد وقّع أمس الأمر التنفيذي رقم 13660 الذي يفرض عقوبات تستهدف الجمهوريتين الإنفصاليتين في رد سريع ، و يحظر الأمرالاستثمار الجديد والتجارة والتمويل من قبل أشخاص أمريكيين إلى ، أو من ، أو في" ما يسمى بجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية ، ويمنح سلطة فرض عقوبات على أي شخص مصمم على العمل في تلك المناطق من أوكرانيا .

نظريا و قانونيا ، على الحكومة الجديدة الممثلة للدولة الجديدة أن تُثبت للعالم الخارجي ، أنها قادرة على حفظ الأمن والنظام على إقليم الدولة التي تدعي تمثيلها ، وأنها قادرة على القيام بالتزاماتها الدولية ، لكي تكون مؤهلة للاعتراف من جانب الدول الأخرى ، لأنها بحاجة إلى هذا الاعتراف لمواصلة علاقاتها بالدول الأخرى . و ان تثبت الحكومة أنها تقوم فعلاً بالسيطرة على إدارة الدولة وحفظ الأمن فيها ، وأنها قادرة على تنفيذ التزاماتها الدولية .

إن الاعتراف بالدول هو أمر يعود تقديره لكل دولة على حدة وله صفة إقراريه، لأنه عمل إرادي حر لا يخضع في إصداره من حيث المبدأ ولا في كيفية إصداره لرقابة دولية بل إنه عمل كاشف تقديري وذو صبغة سياسية، حيث تقدره في نهاية المطاف السلطة السياسية في الدولة تحقيقا للمصالح العليا للدولة التي تقوم بالاعتراف بالدولة الجديدة .

وعلى ذلك فالدول حرة في الاعتراف ولها رفض الاعتراف بها حتى وان توفرت المعايير السابقة أن اقتضت مصلحتها ذلك ، وهناك العديد من الأمثلة والسابقات الدولية التي تُضرب تمثيلا في هذا الصدد ، فقد رفضت الدول الأوروبية لفترة طويلة الاعتراف بحكومة الإتحاد السوفيتي السابق ، ورفضت العديد من الدول الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية لما يناهز۲۰ عاماً، على الرغم من تحقيق الحكومتين المشار إليهما معيار الفاعلية ،وفي العراق لم يعترف أحد من دول العالم بحكومة الدفاع الوطني برئاسة السيد رشيد عالي الكيلاني ، التي تم الإعلان عنها في ۱۲ أبريل عام 1941 ، إثر الإطاحة السلمية من قبل الجيش بالحكومة السابقة ، على الرغم من محاولة إسباغ الشرعية على تلك الحكومة ، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة التي أقامها المتمردون في هاييتي بعد الإطاحة بالحكومة عام ۱۹۹۱ ، وطرد رئيسها ( براتراند ارستید ) خارج البلاد ، حيث رفضت الدول الاعتراف بالحكومة الجديدة على الرغم من تحقيقها لمعيار الشرعية الدستورية من خلال إجراء انتخابات برلمانية في كانون الثاني ۱۹۹۲.

واقعيا يعد الإعتراف الروسي خطوة تمهيدية ضمن حزمة من الإجراءات الروسية الفورية الخشنة بعد إخفاق طرق بعض من وسائل الحرب الهجينة في أوكرانيا لزعزعة النظام السياسي في أوكرانيا ، ولكن في نهاية المطاف لن يتغير المركز القانوني و لا الخريطة الدولية المقرة لأوكرانيا في منظمة الأمم المتحدة بعد اعتراف روسيا بـ"دونيتسك" و"لوغانسك" ، فالعالم لن يعترف بهما أبدا .