السبت 23 أغسطس 2025 04:54 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الدكتور أيمن سلامة يكتب : الإعتراف الدولي بطالبان بين القانون و السياسة .

النهار نيوز

تتميز الحكومة الواقعية بثلاث سمات رئيسية ، فتنصيبها غير قانوني ، بمعنى ان قيامها يتم خارج الإطار القانوني المطبق في البلاد وفق الأصول الدستورية السارية ، وتتمتع سلطتها بالفاعلية ، أي أنها قادرة يمؤسساتها وهياكلها و أجهزتها على فرض نفسها على المواطنين والموظفين الرسميين ، فيذعنوا لها ويقوموا بتنفيذ بتنفيذ اوامرها و تعليماتها ، كما تتميز هذه الحكومات الفعلية باحتكار الصلاحيات والاستئثار بها ، أي أنها تتمكن من ممارسة السلطة وحدها في الإقليم ، ولا ينازعها سلطة أخري ، وتدق هذه المسألة الأخيرة في الشأن الأفغاني ، فحيثما تقوم حركة طالبان، لاحقا ، بتشكيل حكومتها الجديدة و تضم بعضا من القادة الأفغان السابقين في الحكومة المخلوعة ، فذلك لا ينتقص من استئثار حركة طالبان بالسلطة الحاكمة في البلاد .

مما سبق يتضح لنا ، أنه لا يمكن للحكومات الواقعية الإدعاء بتمثيل الدولة تمثيلا قانونيا ، ولا يمكن اكتساب الشرعية القانونية على الصعيدين الداخلي والخارجي ما لم تقم بالإجراءات الدستورية الضرورية وباكتساب رضا الشعب على الصعيد الداخلي ، ورضا الدول الأخرى عن طريق الاعتراف على الصعيد الدولي .

فعلى الصعيد الداخلي فان غالبية من يأتون إلى الحكم عن طريق الثورة أو الإنقلاب ، يحاولون إضفاء الشرعية على حكومتهم الواقعية ، ومسلك الحكومات في هذا المجال يظهران هذه المحاولة عادة تمر بمرحلتين : المرحلة الأولى ، تبدأ عند الإعلان عن الحكومة الجديدة ، وفيها تقوم هذه الحكومة بالغاء السند أو الأساس الدستوري للحكومة السابقة ، ويكون ذلك الإلغاء صريحا في معظم الأحوال ، وفي المرحلة الثانية تقوم بتغطية عملية ( القبض على ذمام السلطة عن طريق القوة ) بإجراءات ( قانونية ) ، کاستحصال تصويت برلماني أو استفتائي يمنحهم الثقة وفقا للقواعد الدستورية السارية قبل وصولهم للحكم ، أو اعدادهم دساتير جديدة يحاولون عن طريقها تصحيح وضعهم غير الشرعي .

يذخرالتاريخ الحديث بأدلة ساطعة للإجراءات المختلفة التي تقوم بها الحكومات الواقعية من أجل اسباغ الشرعية علي امساكهم بذمام السلطة عن طريق القوة المسلحة ، وتدليلا فالحكومة التي جاءت في العراق بعد الإطاحة بالحكم الملكي في 14 يونيو 1958 أسرعت بعد اسبوعين فقط من توليها السلطة باصدار دستور مؤقت للعراق في ۲۷ يونيو 1958 ، و وكذلك الحال بالنسبة لحكومات الإنقلاب في العراق في عامي 1963 و 1968

لا مرية ، أن أفضل الوسائل التي تلجأ إليها الحكومات الواقعية لإضفاء الشرعية هي القيام بإجراء الانتخابات النيابية في البلاد ، إذ كثيراً ما تحولت الحكومة الواقعية إلى حكومة قانونية بعد إجراء مثل هذه الانتخابات ، فحكومة الدفاع الوطني التي نشأت بعد سقوط الإمبراطورية في فرنسا في 4 سبتمبر 1870 ، كانت حكومة واقعية ، ولكنها تحولت إلى حكومة قانونية بعد الانتخابات التي جرت في 8 فبراير 1871 ، وحكومة الجنرال ديغول التي تم الإعلان عنها في الجزائر في 3 يونيو 1943 ، تحت اسم اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني ، كانت كذلك حكومة واقعية بالطبع ، ثم أصبحت في ۲ يونيو 1944 ، حكومة مؤقتة للجمهورية الفرنسية إنتقلت في 31 أغسطس 1944 إلى باريس ،وتحولت إلى حكومة قانونية بعد ۲۱ أكتوبر 1945 ، وهو تاريخ إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية .

أما على الصعيد الدولي ، فعلى الحكومة الجديدة أن تُثبت للعالم الخارجي ، بأنها قادرة على حفظ الأمن والنظام على إقليم الدولة التي تدعي تمثيلها ، وانها قادرة على القيام بالتزاماتها الدولية ، لكي تكون مؤهلة للإعتراف من جانب الدول الأخرى ، لأنها بحاجة إلى هذا الاعتراف لمواصلة علاقاتها بالدول الأخرى .

وقد عَرّف مَجمَع القانون الدولي الاعتراف بالحكومة بأنه : ( التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود سلطة أو حكومة معينة قادرة على حفظ الأمن وتمثيل الدولة القائمة في المجموعة الدولية والقيام بجميع التزاماتها تجاه الدول ) ويبدو ان مَجمَع القانون الدولي ، في تعريفه هذا قد أقر بمعيار الفاعلية للإعتراف بالحكومة الجديدة ؛ وعليه يشترط لهذا النوع من الاعتراف ، ان تثبت الحكومة أنها تقوم فعلاً بالسيطرة على إدارة الدولة وحفظ الأمن فيها ، وأنها قادرة على تنفيذ التزاماتها الدولية

بيد أن المسلك الأمريكي في تعامله مع الاعتراف بالحكومات الجديدة أضاف شرطا آخر يتعلق بتأييد الشعب لها . وقد بدأ هذا المسلك منذ تاسيس الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ صرح جيفرسون ( وهو أحد كبار رجال الإستقلال في الولايات المتحدة ) في عام ۱۷۹۳ بان الولايات المتحدة سوف تقوم بالاعتراف بقانونية اية حكومة تمثل إرادة شعبها ، وإقامة العلاقات الرسمية مع اية مجموعة سياسية استطاعت ان تفرض سيادتها على أراضيها ، حيث ان المعيار الذي تعتمده الولايات المتحدة هو السيطرة الفعلية التي تستند إلى ارادة الأمة .

وعلى الرغم من ظهور نظریات عديدة لتحديد المعيار المعتمد للإعتراف بالحكومات الجديدة ، كنظرية الشرعية الدستورية ونظرية الشرعية الدولية ، غير ان هذه النظريات ، لا تتفق مع طبيعة الاعتراف وصفته التقديرية ، ذلك أن الاعتراف بالحكومة الجديدة ، طبقا للقانون الدولي ، أمر يعود تقديره لكل دولة على حدة وله صفة إقرارية ، لأنه عمل إرادي حرلا يخضع في إصداره من حيث المبدأ ولا في كيفية إصداره لرقابة دولية بل إنه عمل كاشف تقديري وذو صبغة سياسية ، حيث تقدره في نهاية المطاف السلطة السياسية في الدولة تحقيقا للمصالح العليا للدولة التي تقوم بالإعتراف بالحكومة الجديدة .

وعلى ذلك فالدول حرة في الاعتراف بالحكومات الجديدة التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية ، وفقا لمصالحها السياسية ، ولها رفض الاعتراف بها حتى وان توفرت المعايير السابقة ان اقتضت مصلحتها ذلك ، وهناك العديد من الأمثلة و السابقات الدولية التي تضرب تمثيلا في هذا الصدد ، فقد رفضت الدول الأوروبية لفترة طويلة الاعتراف بحكومة الإتحاد السوفيتي السابق ، ورفضت العديد من الدول الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية لما يناهز۲۰ عاماً ، على الرغم من تحقيق الحكومتين المشار إليهما معيار الفاعلية ، وفي العراق لم يعترف أحد من دول العالم بحكومة الدفاع الوطني برئاسة السيد رشيد عالي الكيلاني ، التي تم الإعلان عنها في ۱۲ أبريل عام 1941 ، إثر الإطاحة السلمية من قبل الجيش بالحكومة السابقة ، على الرغم من محاولة إسباغ الشرعية على تلك الحكومة ، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة التي أقامها المتمردون في هاييتي بعد الإطاحة بالحكومة عام ۱۹۹۱ ، وطرد رئيسها ( براتراند ارستید ) خارج البلاد ، حيث رفضت الدول الاعتراف بالحكومة الجديدة على الرغم من تحقيقها المعيار الشرعية الدستورية من خلال إجراء انتخابات برلمانية في كانون الثاني ۱۹۹۲ .

تجد الإشارة ، إلى أن الاعتراف بالحكومة الجديدة لا علاقة له بعضوية الدولة في المجتمع الدولي ، فهذه العضوية قائمة قانونا بصرف النظر عن تغيير الحكومة ، لأن هذا النوع من الاعتراف هو في الحقيقة إنصراف إرادة الذين صدر عنهم من الدول والمنظمات الدولية إلى اعتبار الحكم الذي قام في الدولة ، الممثل والمتحدث الشرعي باسمها في العلاقات الدولية ، والذي ينبغي التعامل معه دوليا بهذا الإعتبار ؛ مما يترتب عليه عدم جواز تفسير أو تأويل هذا الاعتراف على انه تعرض لشخصية الدولة في النطاق الدولي

تأسيسا على ما تقدم ، فان أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة دستورية ، يختلف عن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة غير دستورية الذي سبق شرحه ، إذ من الناحية الداخلية ، وان كانت الحكومة الجديدة تبدأ بممارسة السلطة من الناحية الواقعية ، إلا أن مجرد الإعلان عن الحكومة لا يضفي على هذه الممارسة الصفة الشرعية ولا تتحول هذه الحكومة إلى حكومة قانونية إلا بعد قيامها بالإجراءات الدستورية الضرورية التي سبق بيانها، كما انه من الناحية الدولية فان الإعلان عن الحكومة الجديدة لا تتحقق آثاره القانونية ، وخصوصا فيما يتعلق بممارسة الحقوق ، إلا بعد إعتراف الدول الأخرى بهذه الحكومة ؛ ذلك لأن الحكومة الجديدة وان كانت ، طبقا لمبدأ إستمرارية الدولة ، ترث الحكومة القديمة من حيث الحقوق والإلتزامات منذ الإعلان عن نفسها بوصفها الممثل الجديد للدولة ، غير أن ممارسة أغلب هذه الحقوق ، كحق ابرام المعاهدات ، وحق تبادل التمثيل الدبلوماسي ، وتمتع ممثلي الدولة الجدد بالحصانات والإمتيازات الدبلوماسية ، تتوقف على إعتراف الدول الأخرى بها ، فالراسخ في مسلك العلاقات الدبلوماسية أن مهمة المبعوثين الدبلوماسيين للحكومة الجديدة لدى الدول الأجنبية ومهمة مبعوثي هذه الدول لديها تعد من الناحية القانونية منتهية بقيام نظام الحكم الجديد لحين صدور الاعتراف به وتقديم أوراق اعتماد جديدة من جانب هؤلاء المبعوثين وفقا للاوضاع الجديدة ؛ ذلك لأن رئيس الدولة الذي قدموا إليه أوراق اعتمادهم قد فقد سلطته ومركزه ، ولا شك أن هذا الحكم لا ينطبق على القناصل الذين تنحصر مهمتهم بالأعمال الإدارية ، بل يحتفظون بمراكزهم ويصبحون صلة الوصل بين حكوماتهم والحكومات الأخرى ، ويجب التنويه ايضأ إلى أن عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة لا يؤثر في تحملها المسؤولية الدولية عن تصرفاتها ، فالحكومة الجديدة ومنذ الإعلان عن نفسها بوصفها ممثل الدولة ، تتحمل المسؤولية الدولية عن جميع تصرفاتها الضارة بالدول الأخرى ، وباستطاعة هذه الدول التي لم تعترف بالحكومة الجديدة ، أن ترفع شكواها إلي المحاكم الدولية