السبت 23 أغسطس 2025 01:36 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

د. أيمن سلامة يكتب: كيف انتهكت إسرائيل مبادئ القانون الدولي  الإنساني في غزة ؟

النهار نيوز

كثيرة هي مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تضبط سير العمليات العدائية العسكرية بين المتحاربين ، و لكن الأهم في ذلك الصدد أن الباعث و الغرض الرئيسيين من إرساء هذه المبادئ هو حماية المدنيين الأبرياء العزل غير المشتركين في النزاع المسلح ، ولذلك يشير مبدأ "التقييد" – تدليلا - إلى حقيقة أن أطراف النزاع ليس لديهم ، ولا ينبغي لهم استخدام ، وسائل وأساليب غير محددة أثناء النزاع المسلح ، وهذا يعني أن سلطة المتحاربين في استخدام الأسلحة و استهداف الأعيان و الأشخاص ليست طلقة من أي عقال .

و على الرغم من أن اتفاقيات جنيف عام 1949 تضع قيودًا مختلفة على أطراف النزاع فيما يتعلق بكيفية إدارة الأعمال العدائية ، فإن مبدأ "التقييد" موجود بشكل أكبر في المعاهدات التي تشير إلى استخدام أسلحة وأساليب قتالية معينة ، ومع ذلك ، فإن البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف التي صدرت في عام 1977 هي ، بطريقة ما ، معاهدات تشير إلى حماية الأشخاص وإلى وسائل وأساليب القتال، فقد ورد في المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول أن "حق أطراف النزاع في اختيار أساليب أو وسائل شن الحرب ليس حقًا غير محدود " . "

إن روح هذا المبدأ ،الذي يتسق مع مبدأ أخر وهو مبدا " التناسب " ، يجد أماراته الأولي في إعلان سانت بطرسبرغ لعام 1868 ، الذي طالب بتجنب استخدام الوسائل أو الأساليب التي قد تسبب ضررًا لا داعي له أو معاناة لا داعي لها للأشخاص المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، وفي هذا الصدد ، تذكر القاعدة 70 في الدراسة العرفية عن القانون الدولي الإنساني التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر "يُحظر استخدام وسائل أو أساليب الحرب التي من شأنها إحداث أضرار لا داعي لها أو معاناة لا داعي لها ".

أما مبدأ الحيطة ، فيجد جوهره الرئيسي ، في اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين التي صدرت عام 1949 ، وذلك على الرغم من أن هناك بعضا من المواثيق الدولية الأخرى التي تشير أيضًا إلى بعض الإجراءات التي يجب على المقاتلين اتخاذها لتجنب إلحاق الأذى بالأشخاص المحميين ، لا سيما في حالة أسرى الحرب بموجب اتفاقية جينيف الثالثة عام 1949 ، فإن الاتفاقية الرابعة لجينيف تشير إلى جميع الاحتياطات التي يجب اتخاذها الأعمال العدائية لحماية المدنيين من آثار الحرب ، و التي تتشدق إسرائيل في خلال النزاع االمسلح الحاصل في غزة بأهداب إنذاراتها للمدنيين بوقت وجيز قبل القصف المفرط للأعيان المدنينة الفلسطينية و التي أفضت لخسائر بشرية و مادية ضخمة .

أما مبدأ "الضرورة العسكرية" فهو المبدأ الذي يسمح بفعل كل ما هو ضروري للحصول على ميزة مباشرة وملموسة على الخصم ، طالما لم يتم انتهاك أي قاعدة منصوص عليها في معاهدات القانون الدولي الإنساني ، و يشير مفهوم الميزة العسكرية إلى كل تلك الأعمال في مسرح العمليات التي تسمح لأحد أطراف النزاع بإضعاف الخصم أو الاستسلام، و لتحقيق ذلك وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني ، يجب دائمًا توجيه الهجمات نحو أهداف عسكرية ،

ووفقًا للقاعدة 8 من القانون الدولي الإنساني العرفي ، فإن الأهداف العسكرية هي تلك التي تساهم بشكل فعال بطبيعتها أو موقعها أو غرضها أو استخدامها في العمل العسكري والتي يوفر تدميرها الكلي أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تحييدها ، في ظروف الحالة ، أفضلية أي ميزة للمهاجم .

يمكن العثور على مثال مثير للاهتمام لهذه الاعتبارات في المادة 42 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف ، والتي تنص على أن الأشخاص الذين ينزلون بالمظلات من الطائرات المنكوبة لا يجوز مهاجمتهم عند هبوطهم ؛ ومع ذلك ، لا تنطبق هذه الحماية على القوات المحمولة جواً ، والتي بحكم طبيعتها ، فإن الاستيلاء عليها أو تحييدها يساهم في تقليص قوات الخصم.

وفقا لما تقدم ، فهل حقق قصف وتدمير برج الجلاء في غزة ميزة عسكرية لجيش الإحتلال الإسرائيلي علي ميليشيات حماس ، وهل كان أيضا إنذار مالك البرج بساعة واحدة قبل القصف للبرج كافيا لحماية وإجلاء المدنيين و ممتلكاتهم من البرج ؟

لقد نص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف عام 1977 ، علي أن الهجمات العشوائية وفق المادة 51 ، هي الهجمات التي من المتوقع أن تتسبب في وفيات وإصابات عرضية بين المدنيين. السكان ، أو الضرر الذي يلحق بالأعيان المدنية ، أو كليهما ، بشكل مفرط مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة .

بهذه الطريقة ، تم تعريف التناسب على أنه العلاقة بين الميزة العسكرية والأضرار العرضية التي قد تحدث ، وهي تلك الأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات المدنية في إطار العمليات العسكرية، وهنا لا ينبغي وضع الاعتبارات المتعلقة بالأسلحة وقوتها فيما يتعلق بمصالح أي المزيا العسكرية للخصم ، بل فيما يتعلق بالآثار التي يجب أن تتخلف عن هذه العمليات و التي يتحتم أن تكون الأقل ضررًا للأشخاص والممتلكات المحمية ، إعمالا لمبدأ " التقييد " السابق الإشارة إليه .

والمثال الشائع جدًا هو أن أحد أطراف النزاع يمكنه استخدام عربة مصفحة ضد خصومه الذين لا يحملون سوى البنادق، وهنا فمعيار التناسب يمكن أن يكون متوافرا ، رغما من عدم تكافؤ أسلحة الخصمين ، ولكن معيار التناسب الحاكم في هذه الحالة يتحدد تأسيسا علي علي ما إذا كانت الأضرار العرضية التي ستحدث تتجاوز الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة