الأديبة مريم هرموش تكتب: ولادة جديدة

تبدأ الفراشة حياتها في العتمة، بيضةً صغيرة لا تعرف شكل الضوء. ثم تخرج إلى العالم زاحفةً على أوراقٍ خضراء، تبحث عن غذائها الأول، غير عالمةٍ أنها خُلقت لأجنحة لم ترها بعد. تمرّ الأيام وهي تلتهم الحياة بجوعٍ لا يشبع، كأنها تستعدّ لشيءٍ لا تعرف اسمه. ثم يأتي الوقت الذي تنسحب فيه إلى صمتها، تلتفّ حول نفسها بخيطٍ من سرّ، وتغلق بابها على ما كان. هناك، في عزلتها الصغيرة، يبدأ التكوين من جديد: تتحلّل لتتكوّن، تموت لتُولد، وتصمت لتصير صوتًا من ألوان

وحين تنشقّ الشرنقة، لا تخرج كما دخلت. تُلقي وراءها جسدها القديم، وتختبر الخفّة لأول مرة؛ خفّة من أدرك أن الأرض لم تكن وطنه الوحيد. تحلّق في الفضاء الذي كان يومًا سقفًا لها، وتعرف أن كل ما مرّت به لم يكن إلا مراحل من اكتمالها
،وهكذا الإنسان
يبدأ مقيدًا بأسر الطفولة، ثم يتغذّى على تجاربه الأولى بشغفٍ فطري، حتى تأتي لحظة العزلة — الشرنقة الداخلية — حيث يُجبر على مواجهة ذاته، على تكسير قوقعته القديمة
ومن هناك، يبدأ التحوّل الحقيقي: يخرج من ضيقه إلى اتساعه، ومن جهل البدايات إلى وعي النور