حين يُقتل الطموح… وتُباع الرؤى في سوق النفوذ»

في كل وطنٍ يولد فيه الأمل، يولد معه طموحٌ يسعى أن يخط اسمه على جدار التاريخ… طموحٌ صادق، نقيّ، يشبه المطر حين يهبُّ على أرضٍ عطشى؛ يحيي حلمًا، ويُنهض فكرة، ويُقيم وطنًا في قلب صاحبه قبل أن يقيمه على أرض الواقع.

لكن…

حين يخرج المال السياسي من جحره، يخرج معه الظلمُ متنكرًا في ثوب الدعم، والباطلُ محمولًا على أكتاف الذهب؛

فتتحول الساحة من ميدان منافسة إلى مزاد مساومة، ومن ساحة شرف إلى سوق صرفٍ بلا ضمير.

المال السياسي…

ذاك الذي يشتري الوجوه ولا يشتري القلوب،

يستأجر الأصوات ولا يحرّك الضمائر،

يبني لافتات عالية لكنه يهدم قيمًا أعلى.

ما أقسى أن يرى صاحب الطموح أن صوته يُغرقه صراخ المال،

وأن جهده يُغطيه غبار النفوذ،

وأن حلمه — النظيف كصفحة مطر — يُمَزَّق بيدٍ لا تؤمن إلا بعدّ النقود.

إن الطموح السياسي الحقيقي لا يولد في خزائن،

ولا يتربى في كواليس،

ولا ينمو في جيوب،

بل يولد في قلوب حرة، ويتربى في عقول صادقة، وينمو في ضمائر تعرف معنى الوطن.

أما المال السياسي، فليس إلا ريحًا عاصفة؛

تقتلع الضعيف،

وتُرهق الشريف،

وتترك وراءها وطنًا يُشبه الشجرة التي قُطع جذعها، فبقيت أوراقها تتمايل بلا حياة.

وللأسف…

في زمنٍ اختلطت فيه المفاهيم،

صار يُرفع صاحب المال لا صاحب الرأي،

ويُقدّم من يملك النفوذ لا من يملك الموقف،

ويُشهر اسم من اشترى، لا من استحقّ.

فأصبحنا نرى طموحًا يمشي على قدميه، ومالًا يمشي على أكتاف الناس،

طموحًا يخاطب العقول، ومالًا يخاطب الجيوب،

طموحًا يحمل رسالة، ومالًا يحمل وصولات.

لكن يبقى السؤال:

هل يمكن للمال أن يهزم الوعي؟

هل يمكن للذهب أن يُغطي الشمس؟

هل يمكن للدعاية أن تُسقط الحقيقة؟

ربما ينتصر المال يومًا…

وربما يربح النفوذ جولة…

لكن التاريخ لا يكتب بمن دفع، بل بمن دفع الثمن.

والأوطان — مهما طال الليل — تُنصف أصحاب الطموح الحقيقي،

وتطرد زيف المال،

وتلعن كل قوةٍ حوّلت السياسة من رسالة إلى صفقة،

ومن حق إلى مزاد،

ومن حلم إلى حِمل.

فالمال السياسي قد يقتل فرصة…

لكنه لا يستطيع أن يقتل قيمة.

وقد يشتري طريقًا…

لكنه لا يشتري تاريخًا.

وقد يرفع شخصًا…

لكنه لا يصنع وطنًا.

ويبقى الطموح السياسي الشريف…

صوتًا مهما حاولوا خنقه، يخرج…

وحقًا مهما حاولوا دفنه، ينبض…

ونورًا مهما اشتد الظلام، يسطع.