السبت 23 أغسطس 2025 04:33 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

المستشار الدكتور محمد جبريل إبراهيم يكتب: التعبير عن الذات:

الدكتور محمد جبريل إبراهيم
الدكتور محمد جبريل إبراهيم

يختلف رد فعلك تجاه المواقف التي تقابلك ، وقد يغلب علي رد فعلك السكوت أو الصمت ، ويتبع ذلك الفضفضة الذاتية الداخلية عندما تخلو بنفسك ، وتفضفض علي الورق ، وتكتب ما يثور بداخلك وتفرغه علي الصفحات البيضاء ، ثم تعيد قراءته بعد فترة من الزمن فتري مدي التذبذب الذي ينتابك ، ومدي الغموض الذي يسيطر عليك .

وفي الغالب تكتشف أن رد فعلك في هذه المواقف التي تمر بها كان في صورة ثلاث صور :

أما الصمت الذي يعني الرفض مع التزام الهدوء .

وإما الصمت الذي يعني القبول مجاملة .

وإما الرفض المقترن بالغضب مع التعبير عن ذلك .

وفي الحالة الأخيرة فقط قد تشعر ببعض الضيق ، ولكن تشعر بالراحة بعد ذلك ، أما في الحالتين الأولي والثانية فقد تشعر بالكبت والضيق لمدة أطول .

ويرجع السبب في ذلك أنك عبرت عن ذاتك ، فهي طبيعة المخلوقات ، لا بد لها من التعبير عن ذاتها ، فعندما تعطش الأرض ، وإن كانت لا تصرخ للناس أني عطشي، ولكنها تعبر عن هذا العطش بما تبديه من قحط ، وبما يظهر علي وجهها من تشقق وجفاف ، وعندما تغلي في بطونها الغازات فإنها تتفجر بالبراكين والزلازل لتعبر عن غضبها .

وعندما يأتي الربيع ، وإن كان لا ينادي في الناس إني قادم ، ولكنه يرسل أزهاره وطيوره في الأفق لتعبر عن قدومه ،والذات البشرية كذلك جبلت علي البوح بمكنونها ، و التعبير عما يدور بها ، فالجنين يستقبل الحياة بصرخته المعتادة الشهيرة ، وعندما يكبر قليلاً يعبر عن ألمه بالصراخ ، وحتي فرحته يعبر عنها بالرقص والغناء ، وحتي الفتيات الصغيرات يعبرن عن ذاتهن ببعض الأفعال ، فتضع أحداهن وردة في شعرها للتميز عن الأخريات ، أو تضع علي عنقها شالاً للتعبير عن اختلافها عن غيرها .

و يكون لكل موقف للذات شكل مميز للتعبير عنه ، ففي الحزن قد تكون الدموع والبكاء ، وفي الفرح البهجة والغناء ، وعند الألم التوجع والأنين ، وعند النجاح الفخر والخيلاء ، وقد يكون أحياناً عند الفشل بالعزلة والانطواء .

وللتعبير عن الذات صوراً عديدة منها نشر مختلف الأفكار والفنون ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو مرسوم أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها الإنسان .

حتي الصمت قد يكون صورة من صور التعبير عن الذات ، ولكن لا يجب أن يكون الصمت سمة دائمة للذات ، فنتخندق خلف السكوت بحجة أنه ترفع عن التدني ، ونأي عن الكلام ، ونقول أن السكوت دليلاً أو علامة علي الرضا ، فليس دائماً يكون السكوت علامة للرضا ، ففي الكثير من الأحيان يكون السكوت جبناً ، كما أنه قد يكون في أحياناً آخري ضعفاً وفشلاً وخيبة ، وقد يكون الصمت دليلاً علي سيطرة اليأس ، وغلبة الإحباط الذي لا ينفع معه أي كلام .

وعدم الرغبة في التعبير عن الذات ينبأ عن أن شيئاً بداخل الإنسان قد توقف ، أو أن شيئاً عظيماً بداخله قد مات ولا يمكن أن يحيا مرة أخرى ، فالصمت ينبأ عن انتهاء مخزون الأمل ، و أحياناً هو علامة الصدمة التي كسرت الثقة بالنفس ، وإجلالها وإكبارها والاعتزاز بها .

ولا بد للتعبير عن الذات أن يتطابق مع الأصول ، فلا يكون شاذا أو غير مناسباً لمقتضيات الأمور ، ولا أدل علي ذلك أنه عندما ينبعث صوتاً غريباً من موتور السيارة نقوم فوراً بإصلاحه ، وإذا تعالي صوت الحمار فنسرع في الاستعاذة منه من الشيطان الرجيم .

فللتعبير عن الذات ضوابط يجب أن يتقيد بها سواء أكان تعبيراً شفوياً ، أو عملياً ، أو تعبيراً كتابياً ، أو جسدياً أو حتي بالصمت ، فيجب أن يكون هذا التعبير مقيد بقواعد تكفل حسن استخدامه, و تحفظ حقوق الآخرين, و تمنع إلحاق الضرر بالفرد ، و تحد من نشر الأذى في المجتمع , وما نحتاجه هنا هو تحكيم الضمير وجعله الرقيب الأول على التصرفات والسلوك .

كما يجب احترام الشرائع والقوانين الموضوعة ، وعدم تجاوزها وعدم الإخلال بالنظام العام والآداب العامة ، فلا يخالف الذوق العام ، أو يتعدى حدود الآخرين ، وعلي ذلك فلا يكون التعبير عن الذات متضمنا سخرية من أحد أو ازدراءه ، أو أن يحتوي هذا التعبير عن الذات علي التجريح واللعن والكلام الفاحش البذيء الذي يؤذي أي أحد .

كما يجب ألا يكون التعبير عن الذات فيه تضليل أو نشر أكاذيب تضر بالمصالح العامة ، أو تؤدي إلي نشر الفوضي في البلاد .

ومن ثم فلا بد من مراعاة هذه القوانين واحترامها وأخذها بعين الاعتبار ، فلا يترتب على التعبير عن الذات مفسدة أكبر من المصلحة المقصودة منه .

ودمتم.

الدكتور محمد جبريل إبراهيم