أيمن سلامة : المسؤولية الدولية لأذربيجان عن قطع ”ممر لاتشين ” الإنساني


تُعرف المساعدة الإنسانية بأنها "كل عمل عابر للحدود تمارسه منظمة الغوث الحكومي، وغير الحكومي، والحكومات المختلفة، من أجل إنقاد جماعة بشرية في حالة خطر مؤكد".
تخضع عملية تقديم المساعدات الإنسانية، بوجه عام، إلى عدد من المبادئ الأساسية، أهمها: يجب أن يكون الغرض من المساعدة الإنسانية منع أو تخفيف المعاناة الإنسانية، وحماية الحياة وضمان احترام الإنسان، وينبغي توفيرها لكل من يحتاج إليها دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المولد أو أي وضع آخر، وينبغي توفير المساعدة بصورة أولية في حالات الشدة الأكثر خطورة أو إلحاحا، ولا ينبغي توفيرها لتعزيز أي وضع سياسي أو ديني، ويجب أن تحترم المساعدة ثقافة وبنية وعادات المجتمعات والدول، وتتحدد آلية المساعدات الإنسانية بإنشاء "ممرات إنسانية"، وفقا لقرار الجمعية العامة (45/100) عام 1990، من خلال التنسيق ما بين الدول المعنية والدول المجاورة، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية.
يدل مصطلح الممر الإنساني، كما في حالة " ممر لاتشين " علي منطقة خالية من الوجود العسكري، يقوم طرف ثالث بحمايتها عادة ما تكون قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو القوات المتعددة الجنسيات التي اتفق علي نشرها كل من أذربيجان و أرمينيا، أو الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، ويكون هذا الطرف خارج النزاع القائم، فيمكث المدنيون بعيدا عن الأخطار التي تهدد حياتهم، كما تعني مناطق خالية من الوجود العسكري يجري الإعلان عنها أثناء الاضطرابات أو نزاع مسلح بقصد حماية المدنيين، وإيصال المساعدات والخدمات الإنسانية لهؤلاء بواسطة طرف ثالث، كما ينصرف إلى المواقع والطرق والمعابر المتفاوض عليها بين أطراف النزاع من أجل نقل المساعدات للضحايا، فهي بذلك ممرات محددة في الزمن والنطاق الجغرافي تستخدم لضرورتها في توفير المساعدات والخدمات الصحية الأساسية، لا سيما الإمدادات بالغذاء والماء لصالح الأشخاص المتضررين من الحرب.
توفر الممرات الإنسانية حلا مثاليا للمنظمات الإنسانية فيما يتعلق بعملياتها من أجل توفير الحماية والمساعدة للذين يتضررون من جراء الحرب، حيث يتطلب موافقة كافة الأطراف المحاربة وكسب ثقتهم بالنسبة إلى تسليم المساعدات الإنسانية ، ويطلق على هذه الممرات عدة تسميات منها: الممرات الإنسانية الآمنة، والملاذات الآمنة أو المناطق الإنسانية الآمنة.
توفر اتفاقيتا جنيف الأولي والرابعة عام 1949 إمكانية إنشاء مناطق استشفاء وأمان، كما تعرضان مشروع اتفاق بشأن إقامة هذه المناطق، ملحقا بكل منها، وعلاوة على ذلك توفر اتفاقية جنيف الرابعة إمكانية إنشاء مناطق محايدة، والقصد من إنشاء هذين النوعين من المناطق إيواء الجرحى والمرضى والمدنيين ووقايتهم أخطار النزاع المسلح .
لقد جرى الاتفاق على مناطق توفر ملاذا آمنا للجرحى والمرضى والمدنيين في نزاعات مسلحة دولية وغير دولية، وعلى سبيل المثال أثناء حرب التحرير في بنغلادش والنزاعات المسلحة في كمبوديا وتشاد وقبرص ونيكاراغوا وسيريلانكا ويوغوسلافيا السابقة، وأنشئت معظم هذه المناطق بناء علي اتفاقات مكتوبة استنادا إلى المبدأ الذي يوجب عدم الهجوم علي المناطق التي تنشأ لتكون ملاذا آمنا للجرحى والمرضى والمدنيين، هذا ويتعين عدم مهاجمة المناطق التي لا تحوي إلا الجرحى والمرضى، أو أفراد الخدمات الطبية والدينية، أو أفراد الغوث الإنساني أو المدنيين، تطبيقا للقواعد المحددة التي تحمي هذه الفئات من الأشخاص، والتي تنطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وهناك عدد من الأسس والمبادئ الإنسانية التي تحكم إنشاء وعمل الممرات الإنسانية، تستند إلى مبادئ حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تم تطويرها تأسيسا علي مبادئ القانون الدولي الإنساني، فيتطلب مبدأ الإنسانية تخفيف المعاناة حيثما أمكن ذلك، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الأكثر ضعفا من السكان، ويعني مبدأ عدم التحيز أن المساعدة تقوم على الحاجة فقط، فيجب ألا تميز بين السكان على أساس العمر أو الجنس أو الدين، ويحظر مبدأ الحياد تفضيل أطراف معينة في حالات الصراع أو الانحياز إلى جانب واحد، لذلك فتصور منظمات الإغاثة على أنها محايدة أمر بالغ الأهمية لسلامة أولئك الذين يقدمون المساعدة.
إن البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1977 يكمل هذه الأحكام محددا أن "عروض النجدة والمساعدة" يجب أن لا تعتبر تدخلا في النزاع، خاصة إذا استوفت شروط الحياد والتجرد، غير أن هذا المبدأ أيضا مقيد، فالدولة الموافقة على دخول المساعدات يمكنها أن تفرض بعض القيود التقنية، وأن تدقق وتفحص المساعدات، بالإضافة إلى أن وجود مجموعة الموظفين للمساعدات خاضع لموافقة مسبقة من الدولة المعنية.
وفقا للمعطيات الحاصلة ،و التي أكّدتها وسائل الاعلام المختلفة بخصوص قطع الآذريين أيا من كانوا سواء من عمال – أي موظفي الدولة – أو من عامة الأفراد، لممر لاتشين ، وهو الطريق الوحيد الذي يربط إقليم ناكورنوكاراباخ بأرمينيا، يرتب المسؤولية الدولية المدنية علي أذريبيجان وفقا لقواعد المسؤولية الدولية، كما يرتب أيضا المسؤولية الدولية الجنائية الفردية علي جميع المسؤولين التنفيذيين و غيرهم في أذربيجان الذين امتنعوا عن الوفاء بمسؤوليتهم الدولية وفقا لاتفاقيات القانون الدولي الإنساني ذات الصلة .
إن "تخفيف المعاناة الملازمة للحرب قدر الإمكان" هي من الواجبات الأساسية للقانون الدولي الإنساني. لذا، فلقد كانت حماية الجرحى والمرضى لب القانون الإنساني منذ نشأته الحديثة. الجرحى والمرضى من العسكريين وأفراد الخدمات الطبية المناط بهم رعايتهم هم أولى فئات "الأشخاص المحميين" التي تستفيد من الحماية القانونية الخاصة بموجب اتفاقية جنيف المؤرخة في 1864. ومنذ ذلك الحين، شهد النظام القانوني المتعلق بالجرحى والمرضى تنقيحات شتى، تحديدًا في الأعوام 1906، و1929، و1949، ومرة أخرى في عام 1977، وتهدف جميعها إلى تكييف النظام ليتلاءم مع الطبيعة المتغيرة للنزاعات المسلحة والاقتراب بحماية الجرحى والمرضى من الكمال.
تنطبق المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى على النزاعات المسلحة الدولية فيما يخص الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة أو غيرهم ممن يحق لهم المطالبة بالمركز القانوني لأسير الحرب، وتوسع المادة 12 من اتفاقية جنيف الثانية الحماية لتشمل الجرحى والمرضى والغرقى ممن يكونون في البحر من أفراد القوات المسلحة وغيرهم ممن يحق لهم المطالبة بالمركز القانوني لأسير الحرب. وتنص المادة 16(1) من اتفاقية جنيف الرابعة على حماية الجرحى والمرضى من المدنيين واحترامهم، كما تتضمن المادة 10 من البروتوكول الإضافي الأول نصًا مماثلًا.
فالالتزام بمعاملة الجرحى والمرضى معاملة إنسانية والالتزام بتوفير العناية الطبية لهم هما التزامان إجباريان ليس فقط بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين، ولكن أيضًا بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، وينطبق هذان الالتزامان الأساسيان على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على السواء بغض النظر عما إذا كان الشخص الجريح أو المريض عسكريًا أو مدنيًا.
ختاما ، إن الأمر القضائي الملزم الذي أصدرته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ – فرنسا و الذي ألزم بمقتضاه أذربيجان باتخاذ كافة التدابير الضرورية لضمان نقل المرضي عبر "ممر لا تشين" لتلقي العلاج في أرمينيا ، يُعد ذي صلة و أهمية في صدد انتهاك أذربيجان لالتزاماتها الدولية بموجب القانون الدولي الإنساني .