السبت 23 أغسطس 2025 11:33 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : قراءة قانونية في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية

النهار نيوز

أبرمت مصرو إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية – وبواسطة الأخيرة – معاهدة السلام التي أنهت حالة الحرب بين البلدين ، بعد أن كانت مصر خاضت أشرس الحروب ضد إسرائيل منذ الجولة الأولي للصراع المسلح العربي الإسرائيلي في مايو عام 1948 .

وفقًا للمنهجية الفقهية التقليدية، تنتهي الحرب بإبرام معاهدة سلام أو بأي إشارة واضحة أخرى (مثل صدور إعلان) تصدر عن المتحاربين تفيد أنهم يرون أن حالة الحرب قد انتهت، وهذا الموقف يدعم الحُجة القائلة بأنه بمجرد ظهور حالة الحرب (بالمعنى القانوني التقليدي) إلى حيز الوجود، فإن حقيقة توقف الأعمال العدائية الفعلية والعمليات العسكرية "غير كافٍ في حد ذاته لإنهاء حالة الحرب".

بناءً على ذلك، فإن أي اتفاقات أخرى، ولتكن على شكل وقف لإطلاق النار أو هدنة غير رسمية، أو وقف للأعمال العدائية أو هدنة رسمية، كانت تعدّ اتفاقات مؤقتة وتعليقًا للأعمال العدائية، وليس إنهاءً لها، والسمة المشتركة بين هذه الاتفاقات هي أنها لا تغير من استمرارية وجود نزاع مسلح دولي، وبصفة عامة لا تكون كافية لتحقيق السلم، ومع ذلك، فإن المقصود من كل تلك التدابير وقف الأعمال العدائية مؤقتًا ويمكن عدُّها خطوةً نحو إنهاء قاطع للنزاع المسلح.

في الوقت الراهن، نادرًا ما تنتهي النزاعات المسلحة الدولية بإبرام معاهدة سلام ولكنها غالبًا ما تتسم بوقف غير مستقر لإطلاق النار، وانخفاض بطيء ومتدرج في درجة حدتها، أو تدخُّل حفظة السلام. وفي بعض الحالات، يظل هناك احتمال قوي لاستئناف أعمال القتال. وفي ضوء هذا الاتجاه، يصبح التمييز بين الاتفاقات الرامية إلى وقف الأعمال العدائية ومعاهدات السلام ملتبسًا، وعلى أي حال، فإن تقدير انتهاء نزاع مسلح دولي لا يستند إلى اتفاق سلام، بل إلى تقدير للوقائع على الأرض.

يرجع الفضل لتعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1958 على الاتفاقية الرابعة لجينيف التي صدرت في عام 1949 بشأن المدنيين أثناء الاحتلال ، حيث أشار تعليق بأن الانهاء الشامل للعمليات العسكرية يعني : "الإيقاف البات للقتال كله بين جميع المعنيين". وفي وقت لاحق، وفي تعليق عام 1987 على البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جينيف الذي صدر في عام 1977 ، قيل إن تعبير "الإنهاء الشامل للعمليات العسكرية" هو أكثر من مجرد وقف الأعمال العدائية الفعلية، لأن العمليات العسكرية ذات الطابع الحربي لا تعني بالضرورة العنف المسلح، ويمكن أن تستمر مع غياب الأعمال العدائية.

إن الإنهاء الشامل للعمليات العسكرية لا يقتصر على نهاية الأعمال العدائية الفعلية فحسب، بل يشمل - أيضًا - انتهاء التحركات العسكرية ذات الطابع الحربي، بما في ذلك تلك التي تجري إصلاحات أو إعادة تنظيم أو إعادة تشكيل القوات ، حتى يمكن، منطقيًّا، استبعاد احتمال استئناف الأعمال العدائية.

وحيث إن "العمليات العسكرية" قد عُرفت بأنها "الحركات والمناورات والأفعال، أيًّا كان نوعها، التي تنفذها القوات المسلحة بهدف القتال"، فإن إعادة نشر القوات على طول الحدود لتجميع القدرات العسكرية أو تعبئة القوات أو نشرها لأغراض دفاعية أو هجومية، يجب أن تُعدُّ من قبيل التدابير العسكرية بهدف القتال.

وحتى في غياب الأعمال العدائية الفعلية، فإن استمرار تلازم تلك العمليات العسكرية مع النزاع المسلح الدولي المعني تبرر الإبقاء على تصنيف الحالة بوصفها نزاعًا مسلحًا دوليًّا، والصورة العامة المنبثقة عن هذا الوضع هي صورة تعبر موضوعيًّا عن نزاع مسلح لم ينته بشكل عام ونهائي وفعلي.

ومن ثمّ، عندما تتوقف الدول المتحاربة عن الانخراط في الأعمال العدائية لكنها، على سبيل المثال، تبقي القوات متأهبة، أو تُعبئ الاحتياط أو تنفذ تحركات عسكرية على حدودها، فإن غياب الأعمال العدائية الجارية سيكون، بوجه عام، نوعًا من التوقف أو التعليق المؤقت للاشتباكات المسلحة وليس وقفًا مستقرًّا لإطلاق النار أو هدنة رسمية يمكن تفسيرها على أنها المرحلة الأولى نحو وضع سلام وشيك التحقق.

وفي سياق مماثل لمعيار "الإنهاء الشامل للعمليات العسكرية"، طُرحت فكرة مفادها أن تقدير نهاية النزاع المسلح يدور حول مبدأ عام أساسي وهو توقف "تطبيق القانون الدولي الإنساني بمجرد أن تنتفي الظروف التي استوجبت تطبيقه في المقام الأول".

إن تطبيق هذا المبدأ يعني أن النزاع المسلح بالمعنى الوارد في المادة 2(1) سينتهي عندما تتوقف الدول المتحاربة عن الانخراط في مواجهات مسلحة. يتضح ذلك في الحالات التي ينشأ فيها النزاع المسلح، ويقتصر على سبيل المثال، على مجرد أسر الجنود أو عمليات توغل عسكرية متفرقة ومؤقتة في أراضي الدولة المعادية، وفي تلك الحالات، يكفي إطلاق سراح الجنود أو وقف التوغلات العسكرية لوضع حدّ لحالة النزاع المسلح. ومع ذلك، فقد يكون تقرير نهاية النزاع المسلح أمرًا أكثر تعقيدًا في السياقات التي ينشأ فيها النزاع المسلح عن مواجهة مسلحة أكثر تقليدية، أي الأعمال العدائية المفتوحة بين القوات المسلحة لدولتين أو أكثر. وهكذا، فإن المبدأ العام الوارد بهذا الشكل من الوضوح يُنظر إليه في سياق العوامل التي توفر الدليل على الإنهاء الشامل للعمليات العسكرية على النحو المشار إليه أعلاه.

سياسيا ، وبالرغم مرور نيف و أربعة عقود علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، لكن لم تسلم المعاهدة الأولي للسلام بين إسرائيل و دولة عربية من سهام القدح ، و فريات القذف ، ووصل القبح مداه لوصم المعاهدة بصك الخيانة ، و كأن الرئيس المصري الراحل السادات لم يهزم إسرائيل و يرغمها قسرا و جبرا علي الانسحاب من كل بوصة مصرية احتلت في سيناء منذ عام 1967 حتي عام 1982 .

وعليه : يلزم اماطة اللثام و سبر الأغوار للناشئة وغير المتخصصين لإدراك ما قبل و ما بعد ابرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية .

أولا -الدولة السيدة تعلن الحرب و تحارب و تجنح للسلام و تبرم ما شاءت من معاهدات دولية لطالما لم تنتهك مبادئ القانون الدولي العام .

ثانيا - هذه ليست المرة الاولي التي تبرم مصر معاهدة سلام ، حيث كانت أو لدولة في العالم تجري مثل هذه المعاهدات مع الحيثيين في عام 1258 قبل الميلاد ، لترسي مصر النموذج الرائد في هذا الصدد .

ثالثا - لم تُنبئنا سفر التاريخ بمعاهدات سلام جماعية بين الدول المتحاربة إلا ما ندر .

رابعا- أسدلت ستائر البطلان و سواتر النسيان علي الفريات المغرضة التي تتهم مصر انفرادا بإبرام معاهدة السلام مع إسرائيل ، فمنذ عام 1994 بدأت الدول العربية في إرساء إما اتفاقات سلام أو تدشين علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل .

خامسا - الدولة التي انسحبت من كل شبر في سيناء بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تكن مصر ولكن إسرائيل .

سادسا-يدرك كل لبيب أن إسرائيل ووفق حسابات موجعة و تقديرات مؤلمة أفضت إليها حرب أكتوبر عام 1973 أذعنت للشروط والمطالب المصرية التي وردت في معاهدة السلام

سابعا- الخلط بين الترتيبات الأمنية التي نص عليها البروتوكول العسكري للمعاهدة ، وبين المناطق منزوعة السلاح خلط مريب ، فكافة معاهدات السلام بين الدول المتحاربة المجاورة تنص علي هذه الترتيبات الأمنية . ومن يستمر في بث سموم التحريض لم يقرأ التعديل الثاني للبروتوكول العسكري لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، ولن يشاهد كافة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية بتشكيلاتها ووحداتها في المنطقة (ج ) التي تزعم الأبواق الموجهة المغرضة أنها منطقة منزوعة السلاح .

ثامنا - خلافاً لاتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية " وادي عربة " المبرمة في عام 1994 ، فلم تنص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية علي أية ترتيبات مؤقتة للإسرائيليين في سيناء ، ولكن استمر المزارعون الإسرائيليون ينتفعون بالثمار و الغلال و غيرها في أغني منطقتين في الأردن : الغور و الباقورة ، ولمدة ربع قرن .

تاسعا-لم تُخرج المعاهدة مصر من معادلة الأمن القومي العربي ، والعكس صحيح ، فقد سَخّرت مصر الدولة العربية المبدئية خطوط الإنتاج الحربي علي مدار الساعة لصالح العراق و لمدة ثمانية أعوام 1980-1988 حتي انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، و استمر الدعم العسكري المصري الهائل لسلطنة عمان الشقيقة كي تحافظ علي سيادتها و استقلالها وسلامتها الإقليمية أثناء خمد تمر طفار في غرب السلطنة .

ختاما ، لم يكلف المغرضون طاقتهم و لو لطرفة عين ليعقدوا أي مقارنة بسيطة بين مصر في ظل معاهدة السلام أو بدونها .