أيمن سلامة : متي تعتذر فرنسا للجزائر عن جرائمها الدولية في الجزائر ؟


تاق الشعب الجزائرى إلى سماع كلمة واحدة ينطق بها الرئيس الفرنسى " ماكرون " ، يطبطب بها الشعب المكلوم بجرائم المستعمر الفرنسي منذ عام 1830 ، ولم يكن الكِبر الفرنسي ملازم لماكرون وحسب ولكن اقترنت بكافة الرؤساء الفرنسيين منذ عام 7 يوليو عام 1962 عندما نالت الجزائر استقلالها وسيادتها بعد مخاض ثورة اشتعلت في غرة نوفمبر 1954 ، وهي تِلكم الثورة التي ما برحت الثورة الفريدة العتيدة ، فلم نُخَبر حتي اللحظة بصنو أو ند أو نظير لهذه الثورة المثل ، لذاك الشعب البطل .
جَليٌ أن كلمة " أعتذر " تتكون من خمسة حروف ، لكن الضحايا الجزائريين الذين قتلوا ، تدليلا لاحصرا، وفي يوم واحد بهيم – 8 مايو1945- ليسوا خمسة ، بل خمسة وأربعون ألفا من المدنيين الأبرياء العزل ، قُتلوا في ليلة واحدة دهماء من يوم 8 مايو 1945، فى المدن المكلومة الثلاث بالشرق الجزائرى " سطيف " و" قالمة " و" خراطة " ، وهو ذات اليوم الذى تحررت فيه فرنسا بواسطة الحلفاء من المحتل النازى .
صحيح أن بعض رؤساء فرنسا أبدوا فى خطاباتهم أمام أعضاء مجلسى البرلمان الجزائرى أنهم يقرون بـ" المعاناة " التى تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للشعب الجزائرى ، وكان من بين هؤلاء الرئيس السابق " هولاند "، وذكر أحداث " سطيف ، وقالمة وخراطة " التى تبقى راسخة فى ذاكرة الجزائريين ووجدانهم " .
أيضا أوضح هولاند أنه خلال 132 سنة (1830-1962) خضعت الجزائر لنظام ظالم ووحشى ، وأنه عندما تاق العالم للتخلص من السلوكيات البربرية، تخلت فرنسا عن قيمها العالمية ، بيد أن الرئيس الفرنسى، شأنه شأن صنوه الرئيس ماكرون ، لم يشف غليل ثمانية وثلاثين مليون من الجزائريين ، تاقوا للاعتذار الفرنسى لدولتهم التى جسدت ثورتها التحريرية المجيدة النموذج الفريد غير المسبوق فى ثورات التحرر في العالم أجمع .
راوغ ماكرون في شأن الذاكرة التاريخية للشعب الجزائري قال :"إن هناك كثيرا من التلاعب ومن المواقف المتطرفة التي تسعى إلى تعكير العلاقات الفرنسية الجزائرية ، وتابع ماكرون "سنفتح كل الأرشيف للجنة المؤرخين المشتركة التي أنشأناها من أجل مراجعة الأحداث التاريخية".
شهدت الحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر ، أفظع الجرائم الدولية المرتكبة بالمخالفة لمبادئ وقواعد وأعراف القانون الدولى ، وعمد المستعمر الفرنسى منذ احتلاله للجزائر عام 1830 حتى عام 1962 إلى مسح هوية الشعب ، واغتصاب أرضه ، وقمع حريته وسلب إرادته .
لقد تعددت الجرائم الدولية التى ارتكبتها الدولة الفرنسية وأجهزتها فى الجزائر، سواء جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية ، وحتى جرائم الإبادة الجماعية بالتجويع وذلك في عام 1868م ، واستشهد من الجزائريين الأبطال فى فترة الاستعمار الفرنسى غير الإنسانى مليون و نصف إنسان .
تعد جرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، التى ارتكبتها فرنسا إبان الحقبة الاستعمارية فى الجزائر منذ عام 1830م وحتى نيل الجزائر لاستقلالها 1962م ، من نوع الجرائم الدولية التى تخرق القواعد الآمرة للقانون الدولى.
داومت الحكومات والسلطات الفرنسية المتعاقبة فى السنين الأخيرة على رفض أية مطالب من الجزائريين بالإقرار والاعتذار والجبر عن الجرائم التى اقترفوها فى الجزائر إبان فترة الاستعمار، وأسس رفضهم هذا على حجج واهية وأكاذيب مضللة لا ترتكز علي أى سند شرعى ولا تتأسس على أى عماد قانونى .
فطبيعة الجرائم الفرنسية المرتكبة فى الجزائر لا تستقيم معها كل الحجج والأكاذيب التي تروج لها فرنسا سواء القول بتقادم هذه الجرائم ، أو بصدور مجموعة من الإعفاءات بحق تلك الجرائم .
دأبت فرنسا على إصدار العديد من قوانين ومراسيم العفو ، وذلك بزعم تمجيد المقاومة الفرنسية التى حاربت داخل وخارج الجمهورية الفرنسية بغية إنقاذ الأمة الفرنسية ، وهدفت هذه الإعفاءات إلى تحصين كل المجرمين الذين ارتكبوا أو ساهموا مساهمة جنائية فى ارتكاب الجرائم الدولية المرتكبة فى الجزائر بأية صورة من صور المساهمة الجنائية من شروع أو تحضير أو تحريض أو مشاركة فى هذه الجرائم .
لا يجوز أن يقف مرور الزمن عائقًا أمام المحاكمة على ارتكاب الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولى ، حيث تنص المواثيق الدولية الشارعة المختلفة بأنه لا يجوز للدول أطراف اتفاقية عدم سريان قواعد التقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، أن تمنع المحاكمة على ارتكاب جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية على أساس انقضاء المدة القانونية للمحاكمة على ارتكاب هذه الأفعال.
إن كلا من قوانين العفو الوطنية الفرنسية ، وأيضا قوانين التقادم الوطنية الفرنسية والتي عمدت فرنسا وعن سوء قصد لإصدارها كى تحصن الدولة والأفراد من المسئولية عن ارتكاب الجرائم الدولية التى مارستها فرنسا في الجزائر لا تجدى فتيلا ، وبموجب قواعد القانون الدولي وأعرافه المستقرة لا تغير المسئولية الدولية لفرنسا عن ارتكاب هذه الجرائم ، ولا ينمحي الأثر القانونى عن هذه المسئولية وهو جبر ضحايا هذه الجرائم في الجزائر .
تتخذ التعويضات التي تقدمها الدول للدول المتضررة أشكالا متعددة من أجل الوصول إلى جبر الضرر المتحقق ، فقد تكون على شكل إعانة عينية يتم من خلالها إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حصول العمل غير المشروع ، وقد تكون على شكل تعويض مالي بدفع مبلغ من المال ، وقد يكون التعويض بترضية مناسبة تقدم للطرف المتضرر أو تقديم ضمانات بعدم التكرار .
إن الاعتذار الرسمى الفرنسى للجزائر - إن تحقق - يهدف إلى جبر الضرر المعنوى المباشر الذى لحق بالجزائر نتيجة المساس بهيبتها و كرامتها وكرامة مواطنيها ، كما يهدف أيضا إلي جبر الضرر المعنوى غير المباشر الذى لحق بالجزائر نتيجة فقدانها أعز ما تملك من مواطنيها ، حيث خلف فقدانهم مكابد نفسية ، وصدمة معنوية لذويهم , يجب أخذهما فى الاعتبار حين يتم تقدير التعويض المالى اللازم لعائلات هؤلاء الشهداء .
إن المغزى القانونى لاعتذار فرنسا يكمن بشكل رئيسى في إظهار خطورة هذه الانتهاكات التى ارتكبتها إزاء القانون الدولى وحقوق الشعب الجزائرى , وسيساعد على تعريف الناس جميعا بأن هذه الأفعال لا يمكن أن تظل تمارس بلا عقوبة فضلا عما تثيره من استنكار الضمير والرأى العام الدولي لها ، وأن مثل هذه الانتهاكات سوف تلقى العقوبة المادية الناجزة حيالها ، ففى 22 أكتوبر 2001 م قدم رئيس الوزراء اليابانى اعتذاراته وتعازيه الصادقة للضحايا الصينيين جراء العدوان الياباني ضد الصين والذى استمر منذ عام 1937م وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية ، وفي سياق الاعتذار عن جريمة الإبادة الجماعية ، لا يزال الأرمن يصرون حتى اللحظة الحالية عن وجوب اعتذار الحكومة التركية عما اقترفته السلطات التركية عام 1915 من مجازر بحق الأرمن ، إلا أن الحكومة التركية لا تزال ترفض تقديم مثل هذا الاعتذار.
ختاما ، إن الحقوق الأساسية للإنسان والتى يأتى على رأسها الحق فى الحياة ، هى حقوق متكاملة غير مجزئة ، فالجميع على قدم واحد من المساواة سواء بالنسبة لحقوقهم أو لما يصيبهم حين تنتهك هذه الحقوق.
إن فقدان الدول ثقتها بالتنظيم الدولى المعاصر، وبمبادئ القانون الدولى ماهو إلا نتيجة طبيعية للإخلال بمبدأ العدالة والمساواة في السيادة بين الدول ، وإن يأس المجتمع الدولى ونكوصه عن الوفاء بالتزاماته وواجباته الدولية بشأن إعمال قواعد المسئولية الدولية عند ارتكاب الجرائم الدولية ، يفضى فى النهاية إلى سيادة شريعة الغاب وتغول وتوحش قوى البغى والظلم والعدوان ، ودأب الحكومات الفرنسية المتعاقبة علي الإصرار على عدم إقرارها ، واعترافها بمسئوليتها عن جرائمها التى ارتكبتها في الجزائر، لا يعبر إلا عن عنصرية بغيضة ، وامتهان سافر لحقوق الإنسان وكرامته الإنسانية .