أيمن سلامة : الدساتير التونسية 1959، 2014، 2022 ..........أبرز الفروقات الدستورية .


أثار مشروع الدستور الجديد في تونس سجالا وانتقادات واسعة قبل وبعد الاستفتاء عليه، إذ رأت قوى سياسية أنه يعيد البلاد إلى ما قبل الثورة ويركز السلطات في يد الرئيس، ورأي الأنصار أنه يشكل حكما بالإعدام علي القبضة الغاصبة لحزب النهضة ، التي رسخت سياسة المغالبة و الإقصاء .
فزعم المعارضون إن مشروع الدستور أعطى الرئيس قيس سعيد "الصلاحيات الإمبراطورية المطلقة " بعد أن قام بتهميش اختصاصات رئيس الحكومة و البرلمان من خلال مشروع الوثيقة الدستورية الجديدة ، وإن الحريات المنصوص عليها في مشروع الدستور مقيدة، خصوصا في ظل عدم الفصل بين السلطات وغياب استقلالية القضاء ، ووصم البعض الوثيقة الجديدة بالاستبدادية التي تهدف لإسقاط الديمقراطية و الحقوق والحريات، و أن المشروع الدستوري الجديد يؤسس "نظاما رئاسيا بلا ضوابط أو توازنات مع رئيس مطلق الصلاحيات وبرلمان عاجز وقضاء مقلّمة أظافره".
أما الأطراف الداعمة للرئيس، فقد رأت أن مشروع الدستور الجديد يعد تجسيدا لمسار 25 يوليو، كما أنه سيسمح للناس "بالتنفس وتأسيس تونس الجديدة"، ويفتح آفاقا للشعب التونسي حتى يمسك بزمام أموره ، وأن المشروع الجديد استجاب لمطالب التونسيين وللمرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد ، وأنه سيمهد الطريق لإجراء عملية إصلاح دستوري موثوقة وشاملة تستند إلى القانون في تونس ، و أن الأهم في هذا الصدد هو الحوار الوطني بين جميع القوى الفاعلة في تونس للمضي قدما في عملية الانتقال الديمقراطي تأسيسا علي الدستور الجديد .
أبرز التغييرات في مسودة الدستور .
تعيين الحكومة
تبدو أكبر سمة من سمات اللاعودة مع دستور عام 2014 في منح مشروع الدستور المستفتي عليه أمس رئيس الجمهورية سلطات واسعة، في تعارض واضح مع النظام شبه البرلماني القائم حاليا في البلاد ، إذ تعطيه المسودة حق تعيين رئيس الحكومة وأعضائها وإنهاء مهامهم ، وفي المقابل يقرر دستور عام 2014 أن مرشح الحزب أو الائتلاف الفائز بأكبر عدد من الأصوات يكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة ثم عرضها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقته ، وهنا تبدو المفارقة التي تخالف القاعدة الراسخة في الأنظمة غير الرئاسية ، حيث يتولى رئاسة الحكومة رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية .
تنص المادة 101 من مشروع الدستور المستفتي عليه : " على أن الرئيس هو الذي يعين رئيس الوزراء، وكذلك أعضاء الحكومة، بناء على اقتراح من رئيس الوزراء " ، أما في دستور الجمهورية التونسية عام 1959فكان رئيس الجمهورية ، يتولى تعيين الوزير الأول (رئيس الوزراء ) بكل حرية وله أيضا كامل الصلاحيات لإعفائه من مهامه متي شاء ولا دخل للسلطة التشريعية في التعيين أو الإقالة .
السياسة العامة
يتولى رئيس الجمهورية في مشروع الدستور الجديد ضبط السياسة العامة للدولة وما سمي بالوظيفة التنفيذية بمساعدة من الحكومة، وهي مسؤولة أمامه، كما أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة ، أما دستور عام 2014 الذي جعل من رئيس الحكومة الشخصية المحورية في النظام السياسي الحالي فقد نص على أن رئيس الحكومة هو من يضبط السياسة العامة للدولة مع بعض الاستثناءات، وأن الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب ، وهنا فقد اختلفت المهمة الرئيسية لرئيس الحكومة عن الوزير الأول في ظل دستور عام 1959 و الذي كان يضطلع فقط بمهمة رئاسة الحكومة التي تساعد رئيس الجمهورية علي تنفيذ سياسة الدولة .
التعيينات
تعيين الوظائف المدنية والعسكرية العليا من صلاحيات الرئيس أيضا باقتراح من رئيس الحكومة، وفق مشروع الدستور الجديد ، أما دستور 2014 فينص على أن التعيينات والإعفاءات المدنية من حق رئيس الحكومة، والعسكرية يعينها الرئيس بشرط استشارة رئيس الحكومة ، فكان لرئيس الجمهورية أن يتخذ أوامر رئاسية يتولى بمقتضاها التعيينات في وظائف عليا عسكرية ودبلوماسية ومتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة طبقا لمقتضيات الفصل 87 من الدستور .
تمنح المادة 106 الرئيس سلطة تعيين من يشغلون الوظائف العسكرية والمدنية العليا بناء على اقتراحات من رئيس الوزراء، وكما كما في الدستور الحالي، الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. لكن قوات الأمن الداخلي، التي تتلقى أوامرها من الحكومة بموجب الدستور القائم، ستكون بموجب الدستور الجديد مسؤولة أمام الرئيس.
صلاحيات البرلمان
تمنح المادة 68 من المسودة رئيس الجمهورية الحق في طرح مشروعات القوانين على مجلس النواب، وتقول إن لها الأولوية على المقترحات التشريعية الأخرى ، لكن أفردت الفصول 50، و117، و148 من دستور عام 2014 للسلطة التشريعية الاختصاص بوضع القوانين و المصادقة عليها ، وفي ظل دستور عام 1959 كانت السلطة التشريعية تمارس من قبل الشعب بواسطة مجلس النواب ومجلس المستشارين أو عن طريق الاستفتاء ، أيضا تنص المادة 69 على أن مشروعات القوانين والاقتراحات ، التي يقدمها المشرعون، الخاصة بتعديل قوانين موجودة لا تُقبل إذا كان من شأنها الإخلال بالموازنات المالية للدولة، دون تحديد ما يعنيه ذلك.
عزل الرئيس
وفقا للفصل 88 من دستور 2014 لمجلس النواب، بأغلبية الثلثين، عزل رئيس الجمهورية إذا خرق الدستور بشكل جسيم بعد موافقة المحكمة الدستورية ، ويترتب عن عقوبة العزل السياسية ، إضافة لتخلي رئيس الجمهورية عن منصبه ، فقدان الحق في الترشح لأي انتخابات أخري ، لكن لا توجد مادة تشير إلى عزل الرئيس في الدستور الجديد.
دين الدولة
في المبادئ والأحكام العامة يشير دستور 2014 في أول فصوله إلى أن الإسلام دين الدولة، ولا يجوز تعديل هذا الفصل ، وفي ذات الصدد فقد تصدرت توطئة " ديباجة " دستور عام 2014 التأكيد علي مدنية الدولة ما يعني أن الدولة تقوم بالأساس علي الفصل بين الزمني و الروحي ، بين الأرضي و السماوي ، بين القانوني والديني ، لكن مشروع الدستور الجديد يلغي هذه المادة، ويستبدلها بأن تونس جزء من الأمة الإسلامية وتتولى الدولة وحدها العمل على تحقيق مقاصد الإسلام.
ولاية الرئيس
تنص المادة 90 من مشروع الدستور الجديد على أن الرئيس يمكنه الاستمرار في الحكم لفترتين متتاليتين مدة كل منها خمس سنوات ، وتضيف أن المدة الواحدة يمكن مدها بموجب القانون إذا لم يتسن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بسبب أو خطر وشيك"، والاضافة الجديدة لم ترد في دستور عام 2014 حيث نُص علي : " ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس سنوات ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين متتاليتين متصلتين أو منفصلتين .
حصانة الرئيس
نصت المادة 109 من مشروع الدستور التونسي على تمتع الرئيس بالحصانة طيلة فترة ولايته، ولا يجوز استجوابه عن تصرفاته أثناء تأدية مهامه ، ولا يختلف ذلك النص عن نصوص الفصول 69، و87، و104 حيث نص الفصل 87 علي تمتع رئيس الجمهورية بالحصانة طيلة مدة رئاسته ، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم و السقوط ، فضلا عن عدم مسؤولية الرئيس عن الاعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه . ولم يختلف الأمر بالمقارنة بدستور الجمهورية التونسية عام 1959 الذي نص بالفصل 41 منه بعد تنقيحه في غرة يناير عام 2001 علي أن رئيس الجمهورية يتمتع أثناء ممارسة مهمه بالحصانة القضائية ، وينتفع بهذه الحصانة بعد انتهاء مباشرته للأفعال التي قام بها بمناسبة أدائه لمهامه .
الحريات والحقوق
مثل الدستور القائم، تتعهد مسودة الدستور الجديد بحماية الحقوق والحريات بما يشمل حق تشكيل أحزاب سياسية وحق الاحتجاج. وينص على ضمان حرية الرأي والنشر وكذلك حرية العقيدة، وتنص المسودة الجديدة علي: " إن الدستور يضمن المساواة بين الرجال والنساء والدولة ستعمل على ضمان تمثيل المرأة في الكيانات المنتخبة وستتخذ إجراءات لمكافحة العنف ضد النساء."