المستشار محمد خلف يكتب: هل عفو أهل ”نيرة” يجبر ”النقض” علي إلغاء الإعدام؟


في يوم الأربعاء الموافق السابع من يوليو 2022م، قررت محكمة جنايات المنصورة اعدام المتهم محمد عادل، المتهم بقتل نيرة أشرف، طالبة جامعة المنصورة، الذي سدد للمجني عليها عدة طعنات نافذة بمختلف أجزاء جسمها ثم قام بنحرها ، وقد ذكرت وسائل الإعلام المختلفة أن أفراد أسرة القتيلة تلقوا عروض مالية للعفو عن قاتل ابنتهم، وذلك عبر رسائل إلكترونية بمواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» من عدة حسابات مجهلة و وصل عرض بـ 5 ملايين جنيه مقابل رقبة محمد عادل .
وعلى الرغم من أن أسرة القتيلة قد ردت على تلك العروض بالرفض، فإن البعض تساءل عن حكم الشرع في هذه الحالة ، وهل يجوز دفع الدية في جريمة القتل العمد؟ بمعنى انه اذا حدث و تنازلت اسرة المرحومة نيرة اشرف عن حق الدم مقابل ديه او بلا بمقابل ، فهل يجوز الغاء حكم الاعدام واطلاق سراح المتهم او استبدال الاعدام بعقوبة اخف كالحبس مثلا ؟؟
و نرى ان هناك اهمية كبيرة للاجابة على هذا التساؤل فى هذا المقال انهاءا لحالة الشك فى الغاء حكم الاعدام الصادر ضد المتهم محمد عادل ....
وللاجابة على هذا التساؤل فانه يجب تناوله من زاويتين ، الاولى من الناحية القانونية و الثانية من وجهه نظر الشريعة الاسلامية الغراء على اعتبار عن العفو عن حق الدم هو حق مقرر فى الشريعة الغراء.
و نبدأ اولا من الناحية القانونية فالمعروف ان قانون العقوبات المصري لا يعرف نظام الدية أو الصلح في جرائم القتل العمد ، بعكس بعض التشريعات العربية الاخرى التى تأخذ بنظام الديه للعفو عن المتهم فى جرائم القصاص منها قانون العقوبات الاماراتى والسعودى ، و بناءً على ذلك فان تصالح اسرة المرحومة نيرة مع المتهم محمد عادل على فرض حدوثه لا يلغى عقوبة الاعدام الصادرة بحق المتهم من الناجية القانونية ، فعفو ولى الدم ليس له اى تأثير على الحكم الصادر بالاعدام ، وقد سبق إثارة المسألة ذاتها في قضية قتل سوزان تميم، والتي شهدت تنازل أولياء دم المجني عليها وتصالحهم بعد تقاضيهم مبلغاً مالياً من الجاني هشام طلعت مصطفى الا ان المحكمة اصدرت حكماً بالاعدام جرى تخفيفه بعد ذلك لظروف المتهم الصحية و ليس بسبب التصالح مع اهل المجنى عليها .
كما انه يجب الاشارة الى ان تصالح اسرة نيرة مع القاتل لا يمكن ان يكون ظرفاً مخففاً للعقوبة بمعنى انه من الصعب على محكمة النقض – وهى المحكمة المختصة بنظر الطعن على حكم الاعدام حاليا – ان تخفف الحكم الى السجن المؤبد مثلا ، لان الظروف التى تمت فيها الجريمة و الوحشية التى تمت بها عملية القتل لا يمكن ان تترك متسعاً للرحمة او مجالا للرافة .
بعد ان بينا الموقف القانونى من تصالح اسرة المرحومة نيرة مع الجانى و العفو عن حق الدم – على فرض حدوثه – فاننا نبين موقف الشريعة الاسلامية من هذا العفو ، و يجب ان نوضح اولا ان وبلا شك فان أحكام الشريعة الإسلامية تقرر أن القصاص من القاتل في القتل العمد هو الحكم الأصلي، وأن هذا حق لأولياء القتيل ، و على ذلك فان ولي الدم ( اسرة القتيل ) له الحق فى ان يقتص من القاتل، أو يعفو عنه مقابل الدية او دون مقابل ، و بالتالى لا يحكم بقتل القاتل بل يحكم عليه بعقوبة مخففه يقررها ولى الامر اى القانون فى حالة العفو عن القاتل بديه او بدونها ، كما هو الحال فى القانون الامارتى الذى اجاز الحكم على القاتل بالحبس مدة ثلاثة سنوات فى حالة صدر عفو من ولى الدم .
و مع ذلك فان حكم الشريعة الاسلامية السابق لا يمكن تطبيقه فى قضية مقتل نيرة اشرف ، بمعنى ان العفو عن القاتل وعدم توقيع عقوبة الاعدام لا يمكن تطبيقه استنادا لاحكام الشريعة الاسلامية الاسلامية لانه ببساطة يطبق حكم الشريعة الاسلامية السابق بيانه فى القتل العمد فقط ، اما فى حالة وجود ظروف مشددة للعقوبة و منها سبق الاصرار او الترصد فان الجريمة لا تكون من جرائم القصاص التى يجوز فيها العفو عن القاتل من اهل القتيل، بل تعد من الجرائم التعزيرية و التى يفرض فيها ولى الامر ( القانون ) عقوبة تعزيرية حماية لأمن المجتمع فمن ثم فهي بوصفها جريمة قتل عمد مقترن بسبق الاصرار والترصد وحمل سلاح و المتهم محمد عادل قد عقد النية و بيت العزم على قتل المرحومة نيرة ، و هى بذلك الوصف – على نحو ما استقر عليه احكام القضاء - لا تعتبر من جرائم القصاص في الشريعة الإسلامية وأن اتفقت معها في بعض أركانها وعلى الأخص قصد إزهاق الروح عمداً وأنها تقع على المجتمع الذي رأي ولي الأمر حمايته من مثل هذه الجريمة المشددة ومن ثم فلا مجال لأعمال عفو أولياء الدم .
وعلى هذا النحو ننتهى الا ان عفو اسرة المرحومة نيرة عن القاتل – على فرض حدوثه – لا يلغى عقوبة الاعدام المحكوم بها على المتهم محمد عادل سواء من الناحية القانونية ، او وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية لان الحكم بالاعدام يكون تعزيرا على القاتل وذلك على الرغم من عفو أولياء دم القتيل.