السبت 23 أغسطس 2025 01:03 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : ملاحظات قانونية حول محاكمة أسري الحرب .

النهار نيوز

بالنظر إلي أن أسري الحرب يُدمغوا بوصفهم أحد " المجموعات البشرية الضعيفة المعرضة للخطر " فقد أولي القانون الدولي الإنساني هذه الفئة عناية بل حماية خاصة بوصفهم لم يعدوا أطرافا في النزاع المسلح الدائر، بل ألقوا أسلحتهم واستسلموا لعجزهم عن الاستمرار في القتال ، أو لاعتقالهم بواسطة القوات المعادية سعت اتفاقية جينيف الثالثة لمعاملة أسري الحرب عام و المعتقلينعام 1949 إلي أسباغ أقصي حماية لهؤلاء حين يقعوا في أسر الدولة المحاربة المعادية لهؤلاء ، ومن بين أشكال الحماية المختلفة التي وفرتها الاتفاقية السعي إلى ضمان إقامة العدل بشكل صحيح ، حين تحاكم الدولة الآسرة أسري الحرب الذين وقعوا في حوزتها حالما ارتكب هؤلاء جرائم حرب قبل أو أثناء خضوعهم للأسر .

تأسيسا علي ضرورة توفير ضمانات المحاكمة العادلة لأسري الحرب أمام المحاكم سواء العسكرية – في الأصل العام – أم المدنية اعلي سبيل الاستثناء ، وذلك ترسيخا لضمان احترام الحقوق الأساسية لأسرى الحرب ، حيث يحق لكل إنسان الحصول على محاكمة عادلة بغض النظر عن الظروف ، فقد نصت المادة 130 من الاتفاقية المشار إليها إلي : " يشكل حرمان أسير الحرب عمداً من محاكمة عادلة ونظامية انتهاكاً جسيماً للاتفاقية وقد يستتبع مسؤولية جنائية فردية."

أيضا يعد مبدأ " شرعية الجريمة و العقوبة " أحد أهم الأعمدة الراسخة التي تضمن المحاكمة العادلة لأسري الحرب ، فقد نصت المادة 99 على أنه لا يمكن أن تكون هناك جريمة ، وبالتالي لا عقوبة ، دون قانون قائم مسبقًا، و هو المبدأ القانوني الراسخ في كافة النظم القضائية في العالم ، ويعرفه القانونيون بشكل عام بمبدأ الشرعية وهو مبدأ تقليدي لقانون العقوبات يهدف لحماية أسير الحرب من الأعمال و القوانين التعسفية للدولة الأسرة .

أيضا تحظر اتفاقية جينيف الثالثة لمعاملة أسري الحرب على اللجوء للإكراه المباشر أو غير المباشر ، الجسدي أو المعنوي ، لإجبار أسير الحرب على الإقرار بالذنب أي ارتكابه جريمة الحرب أو أي جرائم أخري تلاحقه علي ارتكابها الدولة الآسرة ، و يرتبط هذا المبدأ ارتباطًا وثيقًا بافتراض قرينة البراءة في الإجراءات الجنائية و إجراءات المحاكمة حتي نطق المحكمة المختصة بالحكم ، كما يقترن المبدأ بحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية ، و المعاملة المهينة والتي كشفت عنها لاحقا اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة كافة ضروب التعذيب عام 1984 .

تنص أيضا المادة 99 من اتفاقية جينيف الثالثة عام 1949 بموجب القانون الدولي الإنساني علي حظر إدانة أسرى الحرب دون إتاحة الفرصة لهم لتقديم دفاعهم والاستفادة من مساعدة محامٍ أو مستشار قانوني مؤهل ، وهذه الضمانة الحمائية المهمة ينضوي تحتها أمرين قانونين مهمين : الأول يشمل حقوق ووسائل الدفاع ، و الثاني : توفير الوقت والتسهيلات الكافية لإعداد الدفاع.

يبين من الأحكام المختلفة لاتفاقية جينيف الثالثة أن الأخيرة لم تهدف إلى ابتداع قواعد قانونية للعقوبات و الزام الدولة الآسرة باتباع إجراءات جنائية محددة ، بل هدفت الاتفاقية إلى وضع مبادئ أساسية معينة تتمحور حول حماية أسير الحرب " الضعيف " من بطش أو انتقام الدولة الآسرة منه ، فغالبية المواد المتعلقة بملاحقة أسير الحرب أم سلطات الدولة الآسرة ، صارت مبادئ عرفية و حتي قبل اصدار الاتفاقية ، فقد اشارت اتفاقية جينيف عام 1929 لمعاملة أسري الحرب لهذه الأحكام فضلا عن محكمتي نورمبرج 1945، وطوكيو عام 1946 ، وغيرها من مواثيق و إعلان دولية خاصة بحماية حقوق الإنسان في السلم .

تأسيسا علي ما تقدم ، يمكننا ايجاز أهم المبادئ الأساسية الحاكمة و التي تتعلق بمحاكمة أسري الحرب أمام محاكم الدولة الآسرة :

  1. تنعقد محاكمة أسري الحرب أمام محاكم عسكرية للدولة الآسرة فهي الأكثر كفاءة في هذا الصدد.
  2. يجوز اللجوء لمحاكمة أسري الحرب أمام المحاكم المدنية للدولة الآسرة حال وجود تشريع قانوني ساري يمنح هذه المحاكم الاختصاص بمحاكمة أسري الحرب.
  3. ليس من المستحسن محاكمة الأسري قبل انتهاء العمليات العدائية العسكرية ، لتحقيق أقصي ضمانات لأسير الحرب .
  4. السابقات الأوكرانية والروسية في المحاكمات قبل انتهاء الحرب لا يجب أن تصير منهاجا فمصالح الدول السياسية لا يجب أن تطغي علي الحقوق الأساسية لأسير الحرب.
  5. وصم أسري الحرب من جانب الدولة الآسرة بالمجرمين أو الإرهابيين أو غيرها من وصوم يخرج عن نطاق مكنات و اختصاصات الدولة الآسرة ، فالقانون الدولي الإنساني و الجنائي أيضا يرخص للدولة مقاضاة أسير الحرب حال ارتكابه جرائم حرب أو جرائم إرهابية مرتبطة بالحرب ، و من غير المتصور الوصم المسبق للآلاف من أسري الحرب بالإرهابيين و دون انتظار للمحاكمة المستقلة المحايدة من قبل قضاء ناجز .