الدكتور أيمن سلامة : أوكرانيا : مفاوضات غير متكافئة و حياد فريد وسلام بضمان دولي .

تحت دوي المدافع وأزيز الطائرات تنعقد المفاوضات الحاسمة بين الدولتين المتحاربتين روسيا الاتحادية وأوكرانيا ، وبالرغم من تأكيد الجانبين على صعوبة المحادثات ، لكن بصيص الأمل باق و يمكن الزعم بنجاح الطرفين في تسوية كافة المسائل العالقة وبقيت مسألة جد عويصة وهي مطالبة روسا أن تعترف أوكرانيا بالكيانات التي انفصلت عنها في عام 2014 و عام 2022 .

من بين الخلافات الرئيسية أيضا المخاوف بشأن ما قد يعنيه "الحياد" الأوكراني، والضمانات الأمنية الدولية التي تطالب بها أوكرانيا، وما يعنيه هذا الوضع لمستقبل أوكرانيا وسلامة أراضيها، وفي هذا السياق يمكن القول بأن النتائج التي ستتمخض عن أي اتفاق سلام روسي-أوكراني فضلا عن نموذج الحياد الفريد الذي تصر عليه أوكرانيا ستحدد بناء النظام العالمي الجديد .

لقد نصت المادة 8 من معاهدة السلام مع فنلندا لعام 1947 ، واتفاقية الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة الفنلندية لعام 1948 علي حظر أي "منظمات تقوم بدعاية معادية للاتحاد السوفيتي"، وألا تبرم فنلندا أو تنضم إلى أي تحالف موجه ضد" الاتحاد السوفيتي ، لكنها لم غضت الطرف بشكل لافت حول نزع السلاح فنلندا ، وهي قضية رئيسية في حل النزاع الأوكراني.

على النقيض من ذلك، نصت معاهدة حياد الدولة النمساوية لعام 1955علي انسحاب جميع قوات الاحتلال المتحالفة أثناء الحرب العالمية الثانية ، وأن تكرس النمسا الحياد الدائم في دستورها، وحدث ذلك في عام 1956 ، و أقر تشريع برلماني بأنه "في جميع الأوقات المستقبلية لن تنضم النمسا إلى أي تحالفات عسكرية ولن تسمح بإنشاء أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها".

وبالمثل، بموجب شروط مؤتمر لندن لعام 1830، أصبحت بلجيكا "دولة محايدة دائمًا"، وتعهدت القوى العظمى الخمس في ذلك الوقت - فرنسا وبريطانيا وبروسيا والنمسا وروسيا - بضمان "حيادها الدائم، وكذلك سلامة وحرمة أراضيها "، وهي مسألة لا تنفصم عن السياق الحالي الأوكراني، حيث تطالب أوكرانيا بذات الضمانات الأمنية التي ضمنت حياد بلجيكا، وعلى الرغم من ذلك، انتهكت ألمانيا حياد بلجيكا مرتين، في بداية كل حرب عالمية.

لهذه الأسباب التاريخية، تظل التجربة البلجيكية و الأوكرانية الأخيرة أيضا و التي تنازلت فيها عن رؤوسها النووية جاثمة علي صدر المفاوض و الرئيس الأوكراني في آن .

روسيا مهتمة بالحصول على اعتراف رسمي بالحياد الأوكراني وتسعي لأن يتشابه هذا الحياد مع حياد النمسا ، حيث يمكن أن يشمل مطالب بعدم انضمام أوكرانيا إلى أي تحالفات عسكرية وعدم السماح بإنشاء أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، وتصر موسكو أيضًا على نزع سلاح كييف وهو ما ترفضه تماما أوكرانيا .

في المقابل ستتضمن مطالب أوكرانيا ضمانات أمنية تعني أن على الموقعين على أي صك دولي مع روسيا يلزم الضامنين بالدفاع عنها في أي صراع مستقبلي ، وتقديم الدعم والأسلحة لها ، و تعهد روسيا الاتحادية سواء في ذات الصك أو صك دولي مستقل بعدم الاعتداء مجدداً علي أوكرانيا .

في إطار معاهدة الحياد هذه ستتعرض لمستقبل أوكرانيا ، بما في ذلك سلامتها الإقليمية ، أي وحدتها واستقلالها وسيادتها علي كل اقليمها المعترف به من جانب الدول و المنظمات الإقليمية ، لكن تصر روسيا على اعتراف أوكرانيا بروسية أراضي دونيتسك ولوهانسك ، وشبه جزيرة القرم التي تم ضمها، و ينتهك هذا على الأقل مذكرة بودابست لعام 1994 ، التي أكدت فيها روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التزامها تجاه أوكرانيا ... باحترام استقلال أوكرانيا وسيادتها والحدود الحالية لأوكرانيا" و "الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأوكرانيا ".