الدكتور أيمن سلامة : هل ستنشئ روسيا مناطق منزوعة السلاح في أوكرانيا قسرا أم اتفاقا ؟

لم تَجد المطالبات الروسية لحلف الناتو منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991 أي آذان صاغية بشأن الشواغل و الهواجس المشروعة حيال التمدد الغربي تجاه مناطق النفوذ الروسية في الدول المطوقة للدب الروسي و في الصدارة منها أوكرانيا .

لذلك ما فتئت تطالب موسكو حلف الناتو بوقف جميع الأنشطة العسكرية في أوروبا الشرقية، بما في ذلك أوكرانيا والقوقاز وآسيا الوسطى، وعدم نشر صواريخ متوسطة أو قصيرة المدى بالقرب من الأراضي الروسية، وعدم إجراء أي تدريبات عسكرية تشمل أكثر من لواء عسكري واحد في حدود متفق عليها.

سبق أن أخبر بوتين نظيره الأمريكي بايدن: “لقد قمت بتركيب منصات إطلاق صواريخ توماهوك حتى حدودنا، لن نتسامح مع هذا الموقف بعد الآن، لأن زمن طيران هذه الصواريخ إلى روسيا أو من أوكرانيا أو دول البلطيق يقدر بـ7-10 دقائق، أو حتى 5 دقائق للأنظمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت “.

منذ أن تصاعدت التوترات بين روسيا والغرب بعد أن ضمت روسيا جزيرة القرم، ثم نشر الناتو تعزيزات عسكرية إلى دول في شرق أوروبا يأتي في الصدارة منها أوكرانيا، حددت موسكو منذ أيام قليلة ، مطالبها الأمنية في وثيقتين دوليتين: معاهدة مقترحة مع الولايات المتحدة، واتفاقية مع الناتو.

واقع الأمر فإن روسيا أرادت ضمانات محددة تُضمّن في اتفاقية دولية بأن الناتو سوف يوقف توسعه باتجاه الشرق تجاه روسيا لما يمثله ذلك من تهديد حال ومباشر للأمن القومي الروسي، فضلاً عن استبعاد عضوية أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق الأخرى في حلف الناتو، والامتناع عن “أي نشاط عسكري ”عبر أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، ووقف أي مناورات للناتو بالقرب من روسيا .

جَليٌ أن الرئيس الروسي بوتين أعاد ترسيم الحدود الأمنية و أقر مراراً وتكراراً بأن دول شرق ووسط أوروبا تشكل حزاماً أمنياً يطوق بلده العظمى روسيا الإتحادية، وهنا يلزم الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها لا تعد دول أمريكا الوسطى والجنوبية بمثابة الحديقة أو الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها تمد نفوذها وتبسط يدها الطولى حتى الشرق الأقصى والأوسط وتجعل دول هاتين المنطقتين تقع ضمن دائرتها أيضاً الرئيس الروسي يخشى أن تكون أوكرانيا في المستقبل رأس الحربة الأمريكية والأوروبية تجاه أوروبا، ولا يقتصر الأمر في هذا السياق على الحروب التقليدية ولكن بالأحرى ذلك النوع من الحروب الحديثة وهي “الحرب الهجينة” التي من الممكن أن تحقق ذات الغايات التي تحققها الحروب النمطية وبأقل التكاليف

تعرف المناطق منزوعة السلاح على صعيد قواعد القانون الدولي بشكل عام بانها تلك المناطق التي تم الاتفاق عليها بين الدول على نزع الاسلحة التقليدية او النووية ، وقد يكون كاملا او جزئيا يقتصر على نوع معين من الأسلحة ، كما يكون نزع السلاح مختصرا على مناطق معينه داخل حدود الدول المتحاربة ، مثل المنطقتين شمالي وجنوب خط عرض 38 بين كوريا الشمالية و كوريا الجنوبية ،إثر الحرب الكورية عام 1953 ، وسوريا و إسرائيل إثر احرب عام 1973 .

يقصد في سياق الحرب الروسية – الأوكرانية الحالية ووفقا لمطالب الرئيس الروسي بوتين ، ليس فقط نزع السلاح التقليدي و غير التقليدي في أوكرانيا ، ولكن فضلا عن ذلك جعل منطقه او مناطق داخل اراضي أوكرانيا منزوعة السلاح ، ويحظر فيها شن العمليات الحربية .

اذا تم الاتفاق على تحديد منطقه معينه على انها منزوعة السلاح فلا يجوز لاي طرف من اطراف النزاع ان يلغي الاتفاق من جانب واحد ، او يستعمل المنطقة منزوعة السلاح للأغراض العسكرية ، لان ذلك يعد اخلالا بالتزاماته ومن ثم فان استهداف تلك المناطق يعد انتهاكا للبروتوكول الاضافي الاول لعام 1977 .

إن الدافع الانساني في انشاء هذه المناطق مهم بمكان ، ويجب عدم التعرض لها لاي طرف من اطراف النزاع لأن استهداف هذه المناطق قد يودي بحياة المدنيين فضلا عن الحاق الضرر الجسيم بالأعيان ذات الطابع المدني .

تجدر الإشارة الى ان تاريخ النزاعات المسلحة سواء كانت دوليه ام غير دوليه شهد انشاء العديد من المناطق منزوعة السلاح ومنها علي سبيل المثال المنطقة السعودية الكويتية المحايدة، والمنطقة المحايدة بين السعودية والعراق، والمنطقة منزوعة السلاح بين الهند وباكستان وبين العراق والكويت .

ختاما، نجزم أن روسيا لن تتنازل عن أهم مطالبها في أوكرانيا بخصوص نزع السلاح و المناطق و لكن هل سيتم ذلك قسرا أو اتفاقا ؟ .