الدكتور أيمن سلامة : الحريق المُريع في لبنان وواجب التضامن الإنساني مع البلد المكلوم


يوماً تلو الآخر يصاب البلد المكلوم ، لبنان ، بِمَلمَة موجعة وكأن المصائب لا تأتي فرادي ، فقد تواترت أنباء منذ قليل ، اليوم الجمعة العاشر من ديسمبر عام 2021 عن وقوع سلسلة انفجارات في مخيم البرج الشمالي الواقع بمدينة صور في جنوب لبنان، والذي يقطنه لاجئون فلسطينيون ، وبالرغم من وقوع عدد من الضحايا لكن السلطات اللبنانية لم تكشف بعد عن إجمالي الخسائر البشرية و المادية جراء الحادث ، وتحدثت الأنباء عن اندلاع حريق أدى إلى انفجار مستودع أسلحة وذخائر تابع لأحد الفصائل الفلسطينية.
صارت الأخطار المداهمة التي تحيق بأحب البلدان العربية لأي عربي متواترة ، وحتي يماط اللثام بعد تشكيل اللجان المتخصصة لتبيان حقيقة ما جري ، ودون تفسير عَجِل ، فالشاهد أن التدابير الوقائية للسلامة و الصحة و الأمن في مستودع الذخائر الفلسطيني لم تكن تتسق مع المعايير العالمية المعتادة في شأن اختيار مثل هذه الأعيان التي يُحظر أن تكون متاخمة أو ملاصقة للتجمعات السكانية المكتظة مثل الحالة اللبنانية .
جلي أيضا ، أن النيران التي انتشرت في الهشيم – مستودع الذخائر الفلسطيني – ستزيد من فداحة الإصابات الناجمة عن الحادث ، كما ستتسبب البيئة المحيطة بموقع الحادث في عرقلة جهود مكافحة النيران و إخلاء المصابين و تأمين السكان في المخيم الفلسطيني ، لذلك فربما تطلب الحكومة اللبنانية من الدول الصديقة للبنان مساعدتها في جهودها الحثيثة للسيطرة علي تداعيات الحادث .
تتنوع الفلسفات و الأسس التي تقوم عليها المساهمة في العمل الإنساني، ولا تقتصر علي الشرائع السماوية ، ولكن تمتد لتشمل العديد من المبادئ و الأساس القانونية المنادية بالتضامن الإنساني لغوث المكروبين جَرّاء الكوارث و الملمات فضلا عن النزاعات المسلحة .
كان للصدقة المسيحية السائدة في الغرب ، والتقليد الإسلامي للزكاة ، وكذلك المفاهيم الأخلاقية للسلوك المناسب في زمن الحرب، فضلا عن القضايا القانونية التي أطّرها القانون الدولي الإنساني – قانون النزاعات المسلحة - المحيطة بمعاملة االمحاربين والمدنيين أثناء النزاع المسلح التأثير الأكبرعلى تنظيم المساعدات الإنسانية في الأنظمة التي نراها اليوم ،بينما يُنظر إلى المساعدات الإنسانية اليوم على أنها استجابة للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل والأعاصير المدارية ، فضلاً عن الحرائق الشديدة التي تفوق قدرات الدولة ، مثل حادث الليلة في جنوب لبنان .
يرجع الفضل للجنة الدولية للصليب الاحمر التي قَننت المبادئ العرفية للمساعدات الإنسانية في عدد من المواثيق الدولية المعنية بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ، حيث طرح الناشط السويسري هنري دونان مفهوم العلاج المناسب للجنود الجرحى في "ذكرى سولفرينو" واقترح إنشاء الصليب الأحمر في عام 1863، التي تعد المنظمة الرائدة في مجال العمل الإغاثي الإنساني .
بعد الحرب العالمية الثانية ، كان هناك نمو مفاجئ وغير مسبوق للمنظمات غير الحكومية ، وبدأت المعونة تصبح أكثر عالمية مع التقدم المتزايد في النقل والاتصالات ، وبدأت في التحول من أوروبا إلى الأجزاء الأقل نموًا في العالم، واستخدم مصطلح "العالم الثالث" في البداية لوصف البلدان غير المتحالفة مع أي من قطبي الحرب الباردة .
ترسخت أفكار التنمية والتخلف المجتمع الحديث بعد انهيار الإتحاد السوفيتي السابق في عام 1991 مع انتشار المنظمات غير الحكومية ، كذلك انتشرت الحملات الإعلانية التي تحتوي على صور لأطفال يتضورون جوعاً ، معظمهم أفارقة ، وشهدت الأعوام الأربعة 1991-1995 إنشاء أكثر من 200 منظمة .
يتسم العصر الحديث إلى حد كبير بتحول في التفكير من تقديم المساعدة على المدى القصير وتخفيف المعاناة إلى التنمية ، التي تقدمها إلى حد كبير الدول المتقدمة .
إن وجه المساعدات الإنسانية اليوم مُعقد ، مع مئات إن لم يكن الآلاف من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأخرى من العديد من البلدان التي تقدم مجموعة متنوعة من المساعدات وجهود التنمية.
تُوفر المنافذ الإعلامية على مدار الساعة للجمهور تغطية واسعة النطاق للعديد من هذه الكوارث الطبيعية والصراعات ، وتوفر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي سهولة الاتصال والتنظيم وجمع الأموال، وقد أدى هذا الانتشار إلى تطورات إيجابية وسلبية أيضا في توفير المعونة ، ومن المُرجح أن يستمر في التأثير بشكل كبير على إيصال المساعدات في المستقبل البعيد.
هناك أربعة مبادئ أساسية تحكم المساعدات الإنسانية: الإنسانية والحياد وعدم التحيز والاستقلال، وقد وضعت هذه المبادئ رسميًا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1991 (الإنسانية وعدم التحيز والحياد والإستقلال ) وأكدت هذه المبادئ اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
إن التضامن الإنساني مع الدول المكروبة بالكوارث الطبيعية ينطلق من رؤية إنسانية في المقام الاولي ، وإقراراً بالكرامة الإنسانية والمسؤولية الإنسانية والأخلاقية، وبعيدًا عن أي انحياز سياسي ، وذلك التضامن مع الدول و الشعوب المكروبة يعكس، بلا ريبة ، الإيمان بأهمية بناء عالم جديد قائم على السلام والعدل والتضامن والتعاضد والتآلف”مجتمع المصير المشترك للبشرية” .
ختاماً ، وبالرغم أن قواعد المجاملات الدولية هي قواعد غير إلزامية و لكن كافة الدول التي تنتمي لجماعة الأمم المتمدينة تحرص علي الوفاء بها ، فالقول المأثور" يوم لك ويوم عليك" ما فتئ يشنف آذان كافة الدول .