السبت 23 أغسطس 2025 02:57 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة : الطائرة المُسيرة المصرية ”نووت” و الموجة الخامسة للردع .

النهار نيوز

تتنوّع "الدرونز" بتنوع استخداماتها، فمنها طائرات ذات أجنحة ثابتة للاستخدامات العسكرية والقتالية، والأخرى الأصغر حجماً شبيهة بالمروحيات للقيام بمهام محدودة، وكذلك تسليحها.

جَلي أن ابتكار الطائرات المسيّرة سدّ ثغرة تقنيّة بالغة التّعقيد: إتاحة التصوير الجوي والتقاط "مقاطع مرئية متحركة" من دون استشعار والعودة بسلام ، وقد سعت الدّول الصناعيّة إلى تطوير تطبيقاتها وتعديل خاصيّة التحكّم بها عن بعد وزيادة مُديات تحليقها، والتي تعتمد في الدرجة الأولى على نظم الملاحة الجوية عن طريق الأقمار الاصطناعية ومراكز تحكّم وقيادة عبر شبكات لاسلكية .

لقد جاء تسليح "الدرونز" بصواريخ وموادّ متفجّرة منسجماً منطقياً مع احتياجات الجيوش، وخصوصاً القوات المسلّحة الأميركية و التركية و الصينية و الإيرانية والروسية و الفرنسية الإسرائيلية وغيرها ، وقد شاركت فيها واشنطن حلفاءها الأوروبيين الذين ابتدعوا تصاميم خاصة بهم لتعزيز الصناعات العسكرية المحلية.

لا تقتصر الاستخدامات المختلفة للطائرات المسيرة علي الصعيد العسكري ، لكن توظّف هذه الطائرات في مهام كثيرة ، منها : اعتراض الاتصالات، والقيام بمسح منطقة جغرافية محددة للهواتف النقالة لتحديد هوية أشخاص أو مجموعات بشرية بعينها. ويتم النظر في استخدامها لنقل الطرود والمشتريات وتوزيعها.

تتميّز النّماذج الأكثر تطوّراً من طائرات "الدرونز" بقدرتها على التحليق لمسافات بعيدة، والبقاء في الأجواء لفترات طويلة، وحمل ذخائر حربيّة توصلها إلى الهدف، وربما ستسلّح بخاصيّة الشبح.

هناك خصائص إيجابية لتسخير طائرات "الدرونز" في خدمة البشرية، وخصوصاً في برامج مكافحة التلوث، ورش الأسمدة، والدخول إلى مبانٍ مشتعلة لإنقاذ المحتجزين فيها، وعمليات المسح الجيولوجي، والتصوير وبثّ لقطات حية، وإيصال مساعدات وأدوية إلى مناطق نائية أو منكوبة، وتطبيقات مماثلة.

سيغير الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة بشكل كبير ساحة المعركة المستقبلية خاصة في مجال الردع العسكري ، حيث أثبتت الحروب الأخيرة في ليبيا و أثيوبيا و "ناكورنوكاراباخ" أن الطائرات المسيرة أضحت أحد أبرز النماذج الجديدة التي تلجأ إليها الدول لتحقق الردع العسكري وفق ظروف ومتطلبات معينة ، و كانت حرب ناغورنو كاراباخ الثانية بين أذربيجان وأرمينيا العام الماضي بمثابة عرض للأسلحة المستقلة " الطائرات المسيرة " ، وقدمت لمحة عن ساحة المعركة في المستقبل.

تسارعت وتيرة استخدام التقنيات المبتكرة للذكاء الصناعي مثل : والروبوتات ، والطائرات بدون طيار ، والحوسبة الكمية ، والطباعة ثلاثية الأبعاد ، والتكنولوجيا الحيوية ، والعديد من هذه التقنيات الحاسمة تمتلك القدرة على قلب ميزان الصراع البشري تمامًا وتغيير ساحات القتال المستقبلية.

لا جَرم أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات وغيرها من أسلحة غير تقليدية ستحطم الوضع الراهن الموجود في عالم الحروب ، فالتقنيات الجديدة "ستقلل الفجوة بين القوى العسكرية المتقدمة وبقية العالم ".

يتسق و يتزامن تسارع استخدام الدول لهذه التقنيات الحديثة في العقدين الأخيرين على نطاق أوسع ، مع تغير المفاهيم التقليدية حول الردع ، وذلك بالإشارة إلي المزايا الخطيرة التي تتمتع بها التقنيات المشار إليها ، مثل اتخاذ القرارات بسرعة آلية وتقليل الخسائر البشرية للدول التي تستخدمها ، فضلا عن المستجد الخطير و المتمثل في استخدامها غير المسؤول من جانب الميليشيات المسلحة غير التابعة للدول أو التنظيمات الإرهابية ، ومحاول إغتيال رئيس الوزراء العراقي مؤخراً يعد برهاناً ساطعاً في ذلك السياق .

لم يبالغ الخبراء حين زعموا أن : "إذا كانت هناك تقنية عسكرية واحدة ثبت أنها غيرت قواعد اللعبة حتى الآن ، فهي الطائرات بدون طيار ، فبعد البارود والأسلحة النووية ، أشار الكثيرون إلى الروبوتات القاتلة الآلية على أنها " الثورة الثالثة في الحرب ".

في الولايات المتحدة ، تدليلاً ، ناقش تقرير جديد صادر عن لجنة الأمن القومي حول الذكاء الاصطناعي كيف تتيح التقنيات المستقلة نموذجًا جديدًا في القتال الحربي ويحث التقريرعلى استثمارات ضخمة في هذا المجال.

ما يميز سباق التسلح التكنولوجي الجديد بعيدًا عن الماضي هو الاستخدام المزدوج للذكاء الاصطناعي ، فالانتشار الزاحف للذكاء الاصطناعي في كل مكان يعني أنه لا يمكن احتواء التطورات في التقنيات ، ومن المحتم أن يهيمن الذكاء الإصطناعي علي معظم المجالات المدنية والعسكرية ".

تتزامن الموجة الخامسة الوليدة للردع الحديث التي أعقبت الحرب الباردة وتستمر حتى الوقت الحاضر ، مع التهديدات المتعددة الأقطاب وغير المتكافئة والجهات الفاعلة غير الحكومية ، من خلال تضمين عوامل غير بشرية في الرد ، ويترتب على ذلك أن قدرات الذكاء الاصطناعي غير المتكافئة ستوجه استراتيجيات الردع، لمحاربة الأسلحة المستقلة ، مما يدفع الدول إلى تبني هذه التقنيات لتعزيز دفاعها ضد الهجمات المستقلة خاصة الطائرات المسيرة .

قد يجد طرفان متحاربان أيضًا أنه من الضروري استخدام القدرات المستقلة مبكرًا للحصول على ميزة قسرية وعسكرية لمنع الخصم من المبادأة و السيطرة ، و نظرًا لسرعة الأنظمة المستقلة التي يتعين مواجهتها بواسطة أنظمة مستقلة أخرى ، فقد نجد أنفسنا في موقف تتفاعل فيه هذه الأنظمة مع بعضها البعض بطريقة لا يمكن التنبؤ بها.

أن الحكومات ستضطر إلى إعادة التفكير في الردع في عصر يتخذ فيه الذكاء الاصطناعي قرارات عسكرية ، حيث تمحور الردع حتى الآن حول منع دولة أو جهة فاعلة من القيام بشيء ما اليوم. ولكن مع استخدام الدول للتكنولوجيا للتنبؤ بالأحداث المستقبلية على المسرح العالمي ، أو ما يسمي ب " السياسة الخارجية الخوارزمية " .

ختامأً ، شَكّل انضمام الطائرة المصرية بدون طيار "نووت" إضافة مهمة لمنظومة الردع العسكري المصرية ، فالطائرة المصرية متعددة الأغراض التي يمكنها تنفيذ العديد من المهام المختلفة: الاستطلاع التكتيكي ،

و تحديد الأهداف ، و تصحيـح نيران المدفعية،و تمييز وتتبع الأهداف ، لذلك فالطائرة تمثل الآن أحدث أنواع الطائرات بدون طيار في العالم ، ومن المؤكد إن إنتاجها لم يكن وليد اللحظة أو غفل عن السياق الجيوسياسي في أكثر مناطق العالم التي تعج بالصراعات المسلحة .

كاتب المقال : ضابط الإتصال السابق في قوات الناتو في البلقان .