السبت 23 أغسطس 2025 07:02 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة يكتب : لا بديل عن المفاوضات لخمد النيران التي تشتعل في أوكرانيا

النهار نيوز

أخيراً و بعد شديد الإستقطابات و قديم التوترات بين الدب الروسي و اليانكي الأمريكي ، كشفت وسائل الإعلام العالمية أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، قدم عرضاً بشأن تنفيذ اتفاق مينسك خلال لقاء نظيره الروسي سيرجي لافروف، مشيراً إلى أن اجتماع الطرفين "كان جاداً وصحيحاً وشبيهاً بالعمل معاً"، إضافة إلى أن الوزيرين "سيواصلان الحوار". ، كما أوضح بلينكن للافروف أن واشنطن ليست لديها رغبة في نشوب صراع أو أزمة"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ترى أنه من الضروري تنفيذ اتفاق "مينسك"، لإنهاء الأزمة مع أوكرانيا.

كشفت وسائل الإعلام أيضا أن الوزير الأمريكي قدم عرضاً على طاولة المفاوضات لإجراء مزيد من المناقشة المتعمقة بشأن تنفيذ اتفاق مينسك"، الذي ينص خصوصاً على نزع السلاح من الحدود "الروسية - الأوكرانية"، لافتاً إلى وجود "تقدير" من قبل الروس بشأن المسار الدبلوماسي في إنهاء الأزمة .

بعد هذه التوطئة المهمة ، يلزم توضيح الحقيقة الواقعية الراسخة : "لماذا تعد المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع الدولي هي أكثر سبل وسائل التسوية فاعلية ونجاحاً ، مقارنة بسائر الوسائل الأخري ؟ "

يشير البعض لمصلح المفاوضات بأنها : " عملية يجتمع بموجبها طرفان أو أكثر لإجراء مباحثات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق حول مسألة معينة ، أو بالأحرى هي عملية مواجهة أو مساومة أو مناقشة غرضها الوصول إلى اتفاق ) ، و يرى آخرون بأن التفاوض ينصرف إلى : " التباحث مع طرف آخر بهدف التراضي ) أو بهدف الاتفاق ، فيما يزعم البعض بأن أن المفاوضات تعني : تبادل الأفكار بقصد تغيير العلاقات ، إذ يلتقون بهدف الاتفاق ، وبمعنى آخر فهم يتفاوضون " ، وللمفاوضات تعريفات أخرى كثيرة منها : التفاعل بين الأطراف المتنازعة بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا المطروحة بينها.

وهناك من يعرف المفاوضات بأنها : تصرف يسند إلى إرادة أحد أشخاص القانون الدولي العام للدخول في مفاوضات مع طرف آخر ، مخول وفقا للقواعد العرفية أو التعاهدية ليكون معنية بها وبنتائجها.

بالرغم من الإختلافات غير الجوهرية في التعريفات التي سبق عرضها لمفهوم المفازضات و التفاوض ، لكن يكاد يتحقق إجماع مطلق علي الخصائص المهمة التي تميز المفاوضات عن سائر الوسائل الأخري للتسوية السياسية للنزاعات الدولية .

تتميز المفاوضات بتعدد أطرافها فهي عملية تتم بين طرفين أو العادة التفاوض بين طرفين أو قد يتسع نطاقه ليشمل أكثر من ذلك يتم نظرا لتشعب المصالح وتعارضها بين الأطراف ، وقد تكون المحادثات مباشرة بل تتم عن طريق وسيط . كما تتصف المفاوضات بأنها تستند إلى الرضا التام لأطرافها ، وبهذا فهي عملية إرادية تدخل بها الأطراف رغبة منها وبشكل طوعي بهدف تحقيق مصالحها وأهدافها المبتغاة.

تقوم المفاوضات على أساس من التفاعل والترابط بين أطرافها والموضوع محل التفاوض ، وبهذا تكون العلاقة بينهم اعتمادية متبادلة ، وبصورة عامية تتصف هذه العلاقة بدرجة عالية من التعقيد والتحدي ، إذ أنها أكثر تعقيدا في المواقف التي يكون فيها كل طرف مستقل عن الآخر أو المواقف التي يكون فيها الطرف الأول معتمد على الطرف الآخر بدرجة ليست كبيرة ، كما تقوم المفاوضات على دخول في محاورات ومناقشات وتبادل الأفكار والآراء والمقترحات حول الموضوع المطروح للتفاوض ، و من خلال هذه الخاصية يتضح لنا أن عملية التفاوض ليس فيها فائزا ولا خاسرا منفردا ، فهي إما أن تنطوي على القيام بعمل محدد يتفق عليه الأطراف ، أو الامتناع عن القيام بعمل تتفق عليه أطراف المفاوضات ، أو على تحقيق مزيج من الهدفين السابقين .

تعد المفوضات أيضا وسيلة للتوازن بين المصالح المتضاربة ، إذ فيها تتم تهيئة المناخ المناسب للتوصل إلى حلول في إطار توازن المصالح والقوی والتساوي بين أطرافه ، ونظرا لأن المنازعات الدولية تخص أشخاصا قانونية دولية مستقلة عن بعضها البعض الآخر ومتساوية قانونا في السيادة وبالتالي لا يمكن أو يفرض رأي أي منهم على الآخر أثناء التفاوض . وبعكسه نكون أمام إجحاف وعدم عدالة بحق أحد الأطراف وهو ما لا يمكن تصوره عند افتراض المساواة في السيادة.

يعمل التفاوض سواء إن كان بين أشخاص القانون الدولي العام كالدول أو بین کیانين أحدهما دولة وأخرى مجموعة مسلحة ، على تنمية الأفكار وتقديم الحلول السلمية لبعض القضايا التي يتم بلورتها خطوة بخطوة للتوصل إلى نتائج وحلول غير مطروحة وقد تكون مستحيلة قبل معالجتها . كما وأنها تسهم بصورة كبيرة في تعزيز السلم والأمن الدوليين خاصة في ظل أحكام وقواعد القانون الدولي.

تبدأ العملية التفاوضية بعد الخوض فيها بتقديم مطالب و مقترحات من طرف ثم يتم تقييمها ودراستها من الطرف الآخر ، وبالتالي قد يأتي تقديم التنازلات حول ما طرح أو قد يرد بمشروعات مضادة حتى يتم التوصل إلى اتفاق يرضي الأطراف المتفاوضة جميعها ، وفي الحالات التي تؤدي فيها المفاوضات إلى نتيجة سلبية ، فنكون أمام آثار مستقبلية سلبية والتي قد تتمثل في تفاقم الأزمة الذي من شأنه أن يؤدي إلى تدابير منها تصاعد حدة النزاع المسلح وغيرها من الإجراءات الأخرى التي قد تتخذها الأطراف بعد فشل المفاوضات بينها .

تُعقد المفاوضات الثنائية والمفاوضات المتعددة الأطراف في الأعم الأغلب في عاصمة إحدى الدول من غير الأطراف بالنزاع ، وفيما يتعلق بالمفاوضات الجماعية فإنها بالغالب تتم في مقر المنظمة ، و إن سبب اختيار مكان التفاوض من خارج الحدود الإقليمية لأطراف النزاع ، يقوم بالأساس على اتفاق لأجل أبعاد أطراف التفاوض عن أية ضغوطات تصب بمصلحة طرف على الآخر وبالتالي فإن النص الاتفاقي هو نص الإطار القانوني الذي يجسد اختيار بين أطراف النزاع في كل من سوريا مكان التفاوض ، كالمفاوضات التي وليبيا واليمن ، إذ كانت العواصم الأجنبية هي المعول عليها في ترتيب أماكن المفاوضات .

تتوقف سرية المفاوضات وعلانيتها على اتفاق الأطراف أنفسهم وإن كان في الغالب تتميز المفاوضات بالطابع السري ، وتعني السرية أن مختلف الاقتراحات والمذكرات التي يقدمها أطراف التفاوض لا يتم النشر عنها ، لرغبة الأطراف وحرصهم على إنجاح العملية التفاوضية وأبعادها قدر الإمكان عن التأثيرات الخارجية والمصالح الدولية الأخرى . وكما قد يلجأ إلى هذا الأسلوب ، لتلافي تأثير الرأي العام ووسائل الإعلام الداخلي والدولي كل ذلك بهدف التوصل إلى حل يوفق بين الأطراف المتفاوضة.

تعد المرونة من الأهمية بمكان حيث تتوقف عليها عملية نجاح المفاوضات وتتطلب قدرات هائلة للتكيف المستمر والمواءمة الكاملة مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية ، وهو عبارة عن حدود استجابة الأطراف لطلبات بعضهم البعض الآخر ، وما يمكن أن يقدموه من مساومات وتنازلات أثناء المباحثات والمناقشات التي تجري فيما بينهم ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة وفقا المصالحهم المشتركة.