السبت 23 أغسطس 2025 01:33 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

السياسة والبرلمان

الدكتور أيمن سلامة يكتب : هل يُعطل حل الحكومة الليبية انتخابات ديسمبر هذا العام ؟

النهار نيوز

المسؤولية السياسية للحكومة هي ذلك الحق الذي يُخول للبرلمان سحب الثقة من احد الوزراء في حالة إقرارالبرلمان مسؤولية ذلك الوزير الفردية، وقد تسحب الثقة من هيئة الوزراء كلها في حالة المسؤولية التضامنية ، كما يُقصد بسحب الثقه اعتبار الوزراء مسئولون عن تصرفاتهم بإداره شئون الحكم أمام البرلمان ؛ ولذلك فبمجرد فقدان الثقة من ممثلي الشعب في البرلمان يعني الشروع في اسقاط السلطة الحاكمة ومحاسبتها .

يقصد أيضا بالمسؤولية السياسية للوزراء ، محاسبتهم علي تصرف متعلق بشؤون الحكم أمام البرلمان ، بمناسبة ممارستهم المهام الموكلة إليهم ، وتختلف بمعناها الفني عن مجرد الخلاف بين الوزراة والبرلمان بصدد أمر معين ، فإذا رفض المجلس قانوناًتقدمت به الحكومة ، لا يعني ذلك نرنيب جزاء المسؤولية السياسية (الإستقالة ) طالما لم يقم الرفض علي معارضة المجلس للسياسة العامة للحكومة .

سحب الثقة و أحيانا حجبها إجراء دستوري وآلية ديمقراطية من صلاحيات البرلمان للتعبير الشديد و المباشر عن رفض سياسات الحكومة ودفع الأخيرة إلى الإستقالة عبر تصويت علني – في معظم الأحيان - تُعبر فيه السلطة التشريعية عن فقدانها الثقة بالحكومة القائمة ، ولا يجب أن يغيب عن البال أن ذلك الإجراء يعني فقدان ثقة الشعب صاحب السيادة في الحكومة القائمة باعتبار أن البرلمان مجسد الإرادة الشعبية وفقاً لقيم ومبادئ الديمقراطية الراسخة .

ويعد الإجراء إحدى الآليات الديمقراطية الضامنة للتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وإبقاء الأخيرة تحت الرقابة البرلمانية المُعبرة عن الإرادة الشعبية التي يجب أن تعكس سياسات الحكومة وجهتها العامة ، وتضرب آلية سحب الثقة من الحكومات جذورها في التاريخ حيث أنها قديمة قدم المؤسسات الديمقراطية ذاتها ، وصارت هذ الآلية أحد الأمارات الشاهدة أو الأدلة الدامغة علي الممارسة الديمقراطية الحقيقة ، كما أنها تعد ترسيخا لمبدأ دستوري أصيل .

لقد أسس النظام البريطاني وبحق الأسساسيات الأولي لنظام سحب الثقة عن الحكومات بوسطة البرلمانات ، وتطور هذا المفهوم مع قيام الثورة الفرنسية، إذ اضطلعت الجمعية التأسيسية المنبثقة عن الثورة بمهام تشريعية ورقابية كبيرة، وكانت صارمة في مراقبة وضبط توجهات الحكومة وسياستها تحت إشراف الملك، وكان دافع ذلك التوجس من الثورة ورجال الكنيسة إلى الالتفاف على الثورة وقطف الثمار من الثوار و أنصارهم ، وكان الفيلسوف و الفقيه الدستوري الفرنسي " مونتسكيو " قرر في ذلك الصدد أن الرقابة تمارس علي الاعمال ، وليس علي الأشخاص ، لأن الأشخاص (يقصد الملوك ) مقدسون وغير مسؤولين عن أعمالهم .

إن أول ممارسة للمسؤولية السياسية كان في بريطانيا عام 1741ولكنها لم تكن بالصورة التي عليها الآن في النظم المعاصرة ، حيث كان الوزراء قبل هذا التاريخ خاضعين للمسؤولية الجنائية فقط ، حيث تثار المسؤولية السياسية أمام مجلس النواب البريطاني ، الذي يملك حق الاتهام و المحاكمة أمام مجلس اللوردات .

وتتعدد الأوجه و الأشكال و البواعث المختلفة لحجب الثقة عن الحكومات ، ولا يقتصر الأمر علي منح البرلمان شهادة الميلاد للحكومة المنبثقة و ذلك بواسطة اعتماد بيان الحكومة للعمل ، ولكن أحيانا يأتي حجب الثقة في شكل رفض من البرلمان لقانون تقدمه الحكومة أو لإعلان السياسة العامة، وفي هذه الحالة تكون الحكومة مدعوة إلى الاستقالة ما دامت لا تحظى بتأييد أغلبية الهيئة التشريعية

ومقارنة بالأنظمة السياسية التي تتبني النظام الرئاسي ، يَشيع ملتمس حجب الثقة في الأنظمة البرلمانية أكثر منه في الأنظمة الجمهورية نظرا للصلاحيات الكبيرة التي عادة ما يتمتع بها الرئيس المنتخب بالاقتراع العام المباشر، ومن نماذج عدم الاستقرار الشهيرة في هذا الصدد ما شهدته فرنسا من اضطرابات في ظل الجمهورية الرابعة (1945-1958)، إذ كان متوسط عمر الحكومة الواحدة لا يتجاوز ستة أشهر .

تبدأ إجراءات حجب الثقة بمُلتمس تفرض القوانين السارية في معظم البلدان أن تقدمه مجموعة برلمانية أو تحالف مجموعات برلمانية معروفة بعد أن تجمع نصاباً من الأصوات يحدده القانون حسب كل دولة وإن كان الشائع أن عتبة تشغيل آلية الحجب هو 10% من عدد أعضاء الهيئة التشريعية ، وكان 41 نائبا في البرلمان الليبي قد تقدموا أمس الإثنين بذلك المُلتمس لسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية ، وسحبث الثقة بالفعل اليوم الثلاثاء من حكومة الدبيبة حين وصل عدد المُصوتين الموافقين علي السحب 89 من أصل 113 نائبا حضروا جلسة سحب الثقة .

تنص معظم دساتير الدول علي الأثر أو التبعة المترتبة علي سحب الثقة ، حيث تستقيل الحكومة ، كما قد يترتب علي اجراء سحب الثقة من الحكوم حل البرلمان نفسه، فعادة ما ترد الحكومة على رفض البرلمان لبرنامجها بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهذا الإجراء يعد الأنسب سياسيا ودستوريا، كما يعكس الإجراء الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية ، فعند نشوب خلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تعود الكلمة إلى المواطن من خلال صندوق الاقتراع .

ويعد المثال الفرنسي في هذا الصدد هو المثال الصارخ الذي يسطع بالرد الشهير " العين بالعين "، وذلك حين رد الجنرال ديغول على سقوط حكومة جورج بومبيدو في عام 1962 بحل البرلمان، وهي المرة الوحيدة التي حصل فيها هذا السيناريو في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة .

لا تقتصر السلطة الرقابية الواسعة التي تمارسها برلمانات الدول علي سحب الثقة من رئيس الحكومة أو الحكومة كلها أو عددا من الوزراء ، ففي مايو 2016 جُردت رئيسة البرازيل ديلما روسيف من مهامها الرئاسية لمدة لا تقل عن ستة أشهر بعد أن صوت مجلس الشيوخ بأغلبية 55 مقابل 22 عضوا بإحالتها للمحاكمة بتهم تتعلق بالتلاعب بالحسابات العامة ، وفي تونس صوت مجلس النواب التونسي أواخر يوليو 2016 على حجب الثقة عن حكومة "الحبيب الصيد" .

كما تختلف العتبة المطلوبة لنجاح التصويت على الثقة، في المملكة المتحدة ، على سبيل المثال ، تعتبر الأغلبية البسيطة من أعضاء مجلس العموم الحاضرين والمصوتين ضرورية لفرض استقالة الحكومة، ايضا في بعض البلدان (على سبيل المثال ،فرنسا والسويد) ، ومع ذلك ، فإن الأغلبية المطلقة للأعضاء مطلوبة في فرنسا وعديد كبير من الدول .

لا مِرية أن المشهد الليبي الملتهب يختلف تماما عن كافة النظم السياسية المستقرة ، فاللمجالس و الهيئات و المؤسسات الليبية مؤقتة ، وهذه الحقيقة الدستورية من المفترض ألا تعقد المشهد الليبي ، فالجميع مدركون أن الإنتخابات المختلفة التي ستنعقد في نهاية ديسمبر 2021 هي التي ستمخض عنها كافة المجالس و الهيئات المؤسسات ، ومن ثم فمن المحتمل أن يؤدي الإجراء الأخير بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن يفضي إلي تصعيد يفضي إلى تأخير الانتخابات عن موعدها .

لم يتأخر رد رئيس حكومة الوحدة الوطنية على القرار وطعن في قانونيته ، مما يلقي بظلال كثيفة من الشك حول مآل ليس فقط حكومة الوحدة الوطنية الليبية ولكن المشهد الليبي برمته و في الصدارة منه انتخابات ديسمبر 2021 ،كما أسلفنا ، وقد يكون سيناريو حكومة تصريف الأعمال "منزوعة الأسنان " هي الأقرب للإستمرار المؤقت لحكومة الدبيبة ، وهنا تُغَل يدها عن اتخاذ أهم القرارات الإجرائية سواء الداخلية أو الخارجية وتدليلا ابرام المعاهدات الدولية .