تربية النشء.. صناعة المستقبل لا ترف الحاضر


حين يُذكر البناء، يتبادر إلى الأذهان طوبٌ وإسمنت، غير أن أسمى بناء هو بناء الإنسان، فالأمم لا تنهض بثرواتها ولا بجيوشها، بل بعقول أبنائها وسلامة تربيتهم. النشء هم البذور التي ستنبت غدًا في حقول الحياة، فإن سقيناها علمًا وأخلاقًا أثمرت خيرًا، وإن تركناها للعشوائية نبتت شوكًا يؤلم المجتمع.
إن التربية ليست ترفًا تربويًا ولا واجبًا أسريًا فحسب، بل هي رسالة إنسانية ومسؤولية وطنية، تبدأ من الأسرة وتمتد إلى المدرسة والإعلام والمجتمع. يقول الله تعالى في محكم التنزيل:
> ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]،
نداءٌ ربانيّ يحمّل الآباء والمربين أمانة الإصلاح والتوجيه قبل فوات الأوان.
إن الطفل صفحة بيضاء، وما يُكتب عليها اليوم سيُعاد قراءته غدًا في سلوك المواطن وصورة الوطن. فكم من عقلٍ مُهملٍ صار عبئًا على مجتمعه، وكم من عقلٍ مُربّى صار شعلة نهضةٍ تُضيء الطريق للآخرين.
ولذلك قال الشاعر العربي:
> "وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوهُ"
بيتٌ يختصر فلسفة التربية كلها، فالأب والمربّي هما اليدان اللتان تشكّلان ملامح الغد.
لقد بات لزامًا على كل بيت ومدرسة أن يُعيد النظر في القدوة والمحتوى والقيم، في زمن تتنازع فيه الوسائل الحديثة عقول الناشئة وتختطف براءتهم. نحن بحاجة إلى تربية تعيد التوازن بين العقل والعاطفة، العلم والإيمان، الحرية والمسؤولية.
فيا أيها المربّون،
اغرسوا في قلوب الصغار حبّ الخير، وحُبّ الوطن، وحُبّ الله والناس. علّموهم أن العزة في الصدق، والكرامة في العلم، وأن الأمة التي تُهمل أبناءها تُعلن بأيديها بداية أفولها.
إن تربية النشء ليست واجبًا وقتيًّا، بل مشروع حياةٍ ومستقبل أمة، فبصلاحهم تصلح الأوطان، وبفسادهم تضيع الرسالة.