جودة أبو النور يكتب: رحيل الدكتور أيمن سلامة.. عالم القانون الدولي وصوت مصر في ساحات العدالة والسلام


في خسارة جسيمة للمجتمع الأكاديمي والقانوني في مصر والعالم العربي، رحل عن عالمنا الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، وأحد أبرز الخبراء المصريين في مجال العلاقات الدولية وقوات حفظ السلام، تاركًا وراءه سيرة مهنية حافلة بالعطاء، وميراثًا علميًا وإنسانيًا يظل شاهدًا على قيمه ورسالاته.
مسيرة علمية رفيعة
تخرّج الدكتور أيمن سلامة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم واصل دراساته العليا حتى حصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة الإسكندرية عام 2006، حيث تناولت أطروحته “المسؤولية الدولية عن ارتكاب الإبادة الجماعية”.
تميّز بعمق بحثه ودقّة تحليله، فجمع بين الدراسة الأكاديمية الرصينة والخبرة الميدانية المتنوعة، ليصبح أحد أهم الأصوات القانونية التي مثّلت مصر في المحافل الإقليمية والدولية.
من ساحات القانون إلى ميادين السلام
لم يكن الدكتور سلامة عالمًا نظريًا فحسب، بل عاش تجربة ميدانية فريدة حين شارك ضمن قوات حفظ السلام المصرية في البوسنة (1997–1998) كضابط ارتباط ومترجم للغة الإنجليزية.
قدّم خلال تلك المهمة نموذجًا مشرفًا للعالم المصري الذي يجمع بين الانضباط العسكري والوعي القانوني والإنساني، وحاز تقدير المجتمع الدولي بحصوله على ميدالية الناتو وميدالية حفظ السلام الإيطالية تكريمًا لعطائه.
أستاذ الأجيال وصوت العدالة
درّس الدكتور أيمن سلامة القانون الدولي والعلاقات الدولية في عدد من الجامعات المصرية، من بينها جامعة القاهرة، جامعة سيناء، وجامعة المستقبل، كما ساهم في إعداد كوادر من وزارات الخارجية، والدفاع، والداخلية في مجالات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
كان حاضرًا دائمًا في وسائل الإعلام والمنتديات الفكرية، محللاً ومعلقًا على القضايا القانونية الدولية بلغة واضحة وموضوعية، وبأسلوب يجمع بين دقة العالم وثقافة المفكر.
ألّف عددًا من الكتب المهمة في مجاله، منها:
- “وضع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة” (1998)
- “المسؤولية الدولية لمرتكب الإبادة” (2006)
كما كتب مقالات تحليلية في الصحافة المصرية والعربية، وشارك في مؤتمرات عدة ناقشت قضايا العدالة الدولية، مكافحة الإرهاب، وحماية حقوق الإنسان.
مدافع عن القيم والإنسانية
كان الراحل الكبير يؤمن بأن القانون الدولي ليس مجرد نصوص، بل هو ضمير الإنسانية.
وفي مشاركاته ضمن فعاليات منظمات المجتمع المدني، من بينها مركز ماعت للسلام وحقوق الإنسان، دعا دائمًا إلى ترسيخ التوازن بين متطلبات الأمن وحماية الكرامة الإنسانية، مؤكدًا أن العدالة لا تكتمل إلا حين تُصان حقوق الأفراد والدول على السواء.
إرث باقٍ وعلمٌ لا يُنسى
برحيله، فقدت مصر علمًا من أعلامها، وأستاذًا ترك بصماته على أجيال من القانونيين والدبلوماسيين والباحثين.
رحل الدكتور أيمن سلامة بجسده، لكنه باقٍ بعلمه وتلاميذه ومواقفه، وبصمته ستظل حاضرة في وجدان من عرفه وتتلمذ على يديه.
نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يلهم أسرته وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون