الخميس 9 أكتوبر 2025 11:32 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أشرف محمدين يكتب: خيانة المجالس… حين تتحول التكنولوجيا إلى خنجر مسموم

النهار نيوز

في زمنٍ يتباهى فيه الإنسان بإنجازاته التقنية، كان يُفترض أن تكون التكنولوجيا جسرًا للتواصل الإنساني ووسيلة لتقريب المسافات، لكنها سرعان ما تحولت في أيدي البعض إلى أداة للهدم والكشف، إلى خنجرٍ مسمومٍ يطعن في القيم والأعراف. واحدة من أبرز تجليات هذا الانحدار الأخلاقي هي ما يمكن تسميته بـ “خيانة المجالس”، ذلك السلوك الذي بات يتسلل إلى كل بيت ومجلس عبر عدسات الهواتف وأزرار التسجيل.

من حرمة المجلس إلى فضيحة الشاشة

في الماضي، كان للمجلس حرمته، وللكلمة وزنها، وللأمانة قدسيتها. كان الناس يدركون أن ما يُقال في المجلس يبقى فيه، فلا يُنقل ولا يُفشى. فالأحاديث كانت أمانة، كما قال النبي ﷺ: “إنما المجالس بالأمانة.”

لكن اليوم، تغيّر المشهد. دخلت التكنولوجيا إلى تفاصيل حياتنا، لتتحول إلى وسيلة خفية لالتقاط الصور، وتسجيل المكالمات، وأخذ “سكرين شوت” لمحادثة خاصة تُنشر لاحقًا دون إذن أو ضمير.

باتت المجالس تُخترق دون استئذان، وصار البعض يتلصص على أسرار الآخرين من خلف شاشته، متخذًا من الخيانة وسيلة للضحك أو وسامًا لـ”الذكاء الاجتماعي” الزائف.

ظاهرة تهدد الثقة المجتمعية

لم تعد خيانة المجالس تصرفًا فرديًا معزولًا، بل غدت ظاهرة تتسع رقعتها في المجتمعات الحديثة. نراها في أماكن العمل، وبين الأصدقاء، وحتى داخل الأسر. صار الناس يتحدثون بحذر، يخشون أن تتحول كلماتهم في لحظة إلى “مادة متداولة” على تطبيق أو منصة.

وهنا تكمن الخطورة؛ فصورة واحدة أو مقطع مقتطع قد يُشعل نار الفتنة، ويهدم علاقات سنوات.

تحولت الثقة، التي كانت حجر الأساس في التواصل الإنساني، إلى جدار من الشكوك والتوجس.

من النصيحة إلى الفضيحة

الانحدار الأخلاقي في التعامل مع الأسرار فتح بابًا واسعًا للفتنة والنميمة. كلمة خرجت في لحظة انفعال قد تُعاد نشرها مئات المرات لتصبح وصمة في وجه صاحبها.

وهكذا تتحول النصيحة إلى فضيحة، والمجلس من مكانٍ للأمان إلى ساحة لتصفية الحسابات.

جيلٌ كامل اليوم يتعامل مع الخصوصية كسلعةٍ تُباع وتُشترى، ومع الأسرار كمواد قابلة للنشر والضحك، في مشهدٍ يُسقط قيم الأمانة تحت أقدام “الترند” و”الإعجابات”.

قيمة دينية وإنسانية تُستباح

الدين الإسلامي لم يغفل عن خطورة هذا السلوك؛ فحفظ السر جزء من الإيمان، وصون الخصوصية من مكارم الأخلاق.

لكننا اليوم أمام واقعٍ يهدد هذه القيم في جوهرها، حيث يُستباح السر باسم “الحرية الشخصية”، ويُختزل الضمير في “إعدادات الخصوصية” على الهاتف.

إن من يخون مجلسًا أو ينشر سرًا دون إذن، لا يعتدي فقط على شخص، بل يساهم في تآكل الثقة داخل المجتمع بأكمله.

دعوة لإحياء الضمير

خيانة المجالس ليست مجرد خطأ عابر، بل جرح عميق في نسيج العلاقات الإنسانية.

هي مرض اجتماعي يلبس عباءة التكنولوجيا، لكنه في حقيقته أبشع صور الغدر.

إن الرسالة التي يجب أن تُستعاد اليوم هي: احفظ سر غيرك كما تحب أن يُحفظ سرك.

فالكلمة أمانة، والسر عرض، ومن يستهين بهما اليوم قد يدفع الثمن غدًا في نفسه وأهله.