من القاعدة إلى القمّة… حين غاب صوت الشارع السياسي


في زمنٍ يفترض فيه أن يكون الحزب السياسيّ مرآة الشارع وصوت المواطن، نشهد مشهدًا مغايرًا تمامًا؛ حيث غابت القاعدة الحزبية عن المشهد الانتخابي، وتقدّمت القرارات الفوقية من القمة لتصوغ وحدها ملامح الترشيح والاختيار، وكأنّ العمل الحزبي تحوّل إلى إطار شكليٍّ بلا نبضٍ ولا جماهير.
لقد كان من المفترض أن تُبنى الأحزاب على قاعدةٍ صلبة من المشاركة، تبدأ من القواعد، من المراكز والقرى والشوارع التي تنبض بالحياة، حيث يعرف الناس بعضهم بعضًا، ويعرفون من يستحق أن يمثّلهم. لكنّ ما نراه اليوم يُثير أسئلةً كثيرة:
من يختار؟ ولصالح من تتمّ هذه الاختيارات؟ ولماذا أُقصي الشارع عن معادلةٍ كان هو عمادها الأصيل؟
إنّ اختفاء دور القاعدة الحزبية في ترشيح ممثلي مجلس النواب أفرغ العملية السياسية من مضمونها الحقيقي، وجعل كثيرًا من الأسماء التي تُطرح على الساحة بعيدةً عن نبض الجماهير، بل وأحيانًا غريبةً عن وجدانها وقضاياها.
فالاختيار الذي يأتي من القمة دون شورى أو استماع للرأي العام هو في الحقيقة قرار إداريٌّ أكثر منه خيارٌ سياسيّ، يفقد معه الحزب مكانته كمدرسةٍ للتربية الديمقراطية، ويغدو كيانًا بلا جذورٍ حقيقية.
الشارع السياسي – وهو المرآة الصادقة لوعي الناس – يشعر اليوم بأنّ صوته مؤجَّل، وأنّ رأيه لا يتجاوز حدود المجاملات الموسمية.
ومع ذلك، تبقى الإرادة الشعبية كامنة تحت الرماد، تنتظر من يوقظها، ويعيد الثقة في العمل الحزبيّ القائم على المشاركة لا على التلقين، وعلى الحوار لا على التوجيه.
إنّ الأحزاب لا تُقاس بعدد مقاعدها ولا بترف مكاتبها، بل تُقاس بمدى قدرتها على الإنصات إلى قواعدها، واحتضان قضايا الشارع الحقيقيّ، لأنّ من يبتعد عن الناس يفقد شرعيته، ومن يتجاهل نبضهم يفقد تاريخه ومستقبله معًا.
وفي الوقت الذي تشتدّ فيه المنافسة الانتخابية المقبلة، تتطلّع العيون إلى لحظةٍ صادقةٍ يُعاد فيها الاعتبار إلى دور القاعدة الحزبية، ليعود الحزب كما كان:
منبرًا للأفكار، لا مكتبًا للتعيينات، وصوتًا للمجتمع لا صدى للسلطة.
فالسياسة الحقيقية – كما علّمنا التاريخ – تبدأ من الناس، وتعود إليهم،
ومن فقد البوصلة الشعبية، فقد الطريق إلى البرلمان، وإلى القلوب معًا.