الإثنين 22 سبتمبر 2025 05:46 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

جودة أبو النور يكتب: من أدغال أفريقيا إلى المحافل العالمية.. بشرى حجيج صوت القارة في الكرة الطائرة

النهار نيوز

في عالم الرياضة، حيث يسطع نجم اللاعبين داخل الملاعب، يظل لقادة الاتحادات والهيئات الرياضية دور لا يقل أهمية عن دور الأبطال فوق أرض المنافسة. ومن بين هذه الشخصيات البارزة تبرز بشرى حجيج، التي باتت شخصية رياضية مؤثرة فعلاً ليس في أفريقيا فقط، بل على الصعيد العربي والدولي أيضًا. فهي تشغل منصب رئيسة الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة، ونائبة رئيس الاتحاد العربي، ونائبة رئيس الاتحاد الدولي، إضافة إلى عضويتها في اللجنة الأولمبية الدولية واتحاد اللجان الأولمبية الإفريقية (الأنوكا).

ولأنها ليست مجرد مسؤولة إدارية، فقد عُرفت بحضورها الميداني، حيث تتكبد عناء السفر بين الدول والأقاليم، من أدغال أفريقيا إلى العواصم العالمية، لمتابعة البطولات القارية والدولية عن قرب، والتعرف على التحديات على أرض الواقع. برؤيتها الطموحة وحرصها على تطوير اللعبة، باتت حجيج نموذجًا للقيادة النسائية الملهمة التي تسعى إلى الارتقاء بالكرة الطائرة إلى مصاف العالمية.

مسيرة بدأت من الملاعب

لم يكن صعود السيدة بشرى حجيج إلى قمة هرم الرياضة الإفريقية مصادفة أو ضربة حظ عابرة، بل هو ثمرة مسيرة طويلة من العطاء والعمل الجاد والالتزام الرياضي والمهني. فمنذ عام 1986 وحتى 2002، لعبت ضمن صفوف المنتخب الوطني المغربي للكرة الطائرة للسيدات، كما دافعت عن ألوان أندية عريقة مثل النادي المكناسي، الجيش الملكي، القرض الفلاحي، والفتح الرباطي.

وامتد حضورها إلى الكرة الطائرة الشاطئية، حيث شاركت بين 1996 و2002 في البطولات الإفريقية والعربية وبطولة الأندية البطلة، فضلًا عن تمثيل المغرب في ألعاب البحر الأبيض المتوسط والألعاب الفرانكفونية.

من الميدان إلى القيادة

تحولت بشرى حجيج من الرياضة التنافسية إلى العمل المؤسساتي، فترأست الاتحاد المغربي للكرة الطائرة، وتم انتخابها نائبة لرئيس الاتحاد الإفريقي عام 2015. وفي عام 2020، حققت اختراقًا تاريخيًا بانتخابها أول امرأة مغربية وعربية تتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي للكرة الطائرة.

كما تشغل مناصب دولية بارزة، منها:

  • نائبة رئيس الاتحاد الدولي للكرة الطائرة.
  • نائبة رئيس الاتحاد العربي للكرة الطائرة.
  • عضو لجنة الثقافات والتراث الأولمبي باللجنة الأولمبية الدولية.
  • عضو في اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية الإفريقية (الأنوكا).

حب خاص لمصر والعالم العربي

يصف المقربون من بشرى حجيج حبها لمصر بأنه حب لا يوصف، وحبها للبلاد العربية والأفريقية بأنه نابع من القلب وليس مجرد شعار يرفع في المناسبات، بل واقع تجسده الأفعال. وخير دليل على ذلك أنها تدخلت لدى الاتحاد الدولي للكرة الطائرة لتُمنح مصر شرف استضافة بطولة أفريقيا للشباب. وعندما تعارض موعد البطولة مع التزامات المنتخب المصري في بطولة العالم بالصين، تدخلت مرة أخرى لتأجيلها من شهر أغسطس إلى سبتمبر 2025، بما يضمن مشاركة مصر بكامل قوتها. هذه الخطوات العملية جسدت مدى تقديرها لمكانة مصر وللدور المحوري الذي تلعبه عربيًا وإفريقيًا في الرياضة.

مثال حي على التزامها

من أبرز الأمثلة على التزامها العملي أيضًا، حضورها بطولة أفريقيا للشباب بالقاهرة (11 – 21 سبتمبر 2025)، حيث تابعت جزءًا كبيرًا من المباريات. بعد ذلك، سافرت إلى الفلبين لحضور اجتماعات الاتحاد الدولي للكرة الطائرة بالتزامن مع استضافة بطولة العالم هناك، ثم عادت مجددًا إلى القاهرة لمتابعة مباريات الدور قبل النهائي والمباراة النهائية.

وفي ختام البطولة، شاركت في مراسم التتويج حيث سلّمت منتخب مصر كأس البطولة، وقلّدت منتخب الكاميرون بالميداليات الفضية، ومنتخب كينيا بالميداليات البرونزية، كما كرّمت اللاعبين والحكام المشاركين. هذه الجولة المكثفة بين قارتين تعكس حجم مسؤوليتها والتزامها الكبير بخدمة اللعبة على جميع المستويات.

قيادة ملهمة وتمكين نسائي

خلال خمس سنوات من رئاستها للاتحاد الإفريقي، أثبتت بشرى حجيج كفاءة استثنائية في الإدارة والتخطيط الاستراتيجي والتطوير الرياضي، مما جعلها رمزًا نسائيًا إفريقيًا يحتذى به في مجال القيادة الرياضية. لم تكتف بإدارة البطولات، بل حولت منصبها إلى منصة للدفاع عن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في الرياضة، لتصبح بذلك صوتًا مؤثرًا في تعزيز حضور المرأة في مواقع القرار الرياضي.

تقدير دولي وتكريم مستحق

نالت بشرى حجيج تكريمات دولية عدة، تقديرًا لإسهاماتها في تطوير الكرة الطائرة والمساواة الرياضية، من بينها:

  • وسام الشرف الدولي من رئيس الاتحاد الدولي للكرة الطائرة.
  • وسام ضابط النظام الوطني من رئيس جمهورية تشاد.
  • تكريمات من مؤسسات إفريقية ودولية لدورها في تعزيز رياضة المرأة وتطوير الكرة الطائرة الشاطئية في القارة.

دعم مغربي ملكي ودبلوماسية رياضية

ولا يمكن الحديث عن قصة النجاح هذه دون الإشارة إلى الدعم الرسمي والسياسي المغربي، لا سيما من طرف جلالة الملك محمد السادس، الذي يولي الرياضة اهتمامًا استراتيجيًا باعتبارها رافعة للتنمية الشاملة ومحركًا حيويًا لشباب القارة السمراء. ويحرص جلالته على دعم كل القيادات المغربية في مختلف الأصعدة لتعزيز الدور المغربي والقوى الناعمة للمملكة، ومن بينها القيادات الرياضية.

وفي زمن باتت فيه الدبلوماسية الرياضية لا تقل أهمية عن الدبلوماسية السياسية، برزت بشرى حجيج كوجه مغربي مشرف، يجسد هذا التوجه الاستراتيجي، ويضع المغرب في قلب التأثير الرياضي القاري والدولي.

ليست بشرى حجيج مجرد مسؤولة رياضية، بل تمثل حالة رمزية لنجاح المرأة العربية والإفريقية في كسر القيود الثقافية والمؤسسية، والوصول إلى مراكز القرار. لقد أصبحت بحق “ماركة قيادية” إفريقية وضعت المغرب في قلب التأثير الرياضي القاري، ورسّخت حضور المرأة في المواقع القيادية الرياضية. ومن أدغال أفريقيا إلى المحافل العالمية، تؤكد بشرى حجيج أن الرياضة ليست مجرد منافسة، بل رسالة حضارية وإنسانية تحمل في طياتها قيم العطاء، التمكين، والوحدة.