الأخلاق.. تاج طالب العلم


في زمن تتسارع فيه الخطى نحو المظاهر البراقة، وتتشابك فيه الأصوات بين صخب التقنية وضجيج اللهاث وراء الشهرة، يبقى الأصل الذي لا يبلى، والجوهر الذي لا يزول: الأخلاق الحميدة. هي سرّ البقاء، وعنوان العظمة، وميزان التفاضل بين البشر.
وما قيمة العلم إن تجرد من الأخلاق؟!
أليس العلم بلا خُلق سيفًا في يد أعمى؟ يجرح ولا يبني، يهدم ولا يعمّر؟ لقد رفع الإسلام من شأن العلم وأهله، وجعل طلب العلم فريضة، لكنه في الوقت ذاته، قرن هذا العلم بحسن السيرة، ونقاء السريرة، وتهذيب السلوك.
إن طالب العلم الحقيقي ليس من يحفظ المتون فحسب، ولا من يتقن القواعد والعلوم وحدها، بل هو من يتزيّن بجميل الخصال: تواضع مع أستاذه، رحمة مع أصحابه، صبر في دربه، وأمانة فيما يحمل من رسالة. فإذا اجتمع العلم مع الخُلق، ارتفع صاحبه في درجات الكمال، وكان نورًا يهدي في دروب الحياة.
إن التاريخ ليشهد أن العلماء الذين خلدتهم الإنسانية لم يُعرفوا بكثرة ما جمعوا من كتب أو كثرة ما سطّروا من مصنفات فحسب، بل سُطّرت أسماؤهم بأحرف من ذهب لأنهم كانوا قمة في الورع، قدوة في التواضع، وسفراء للقيم قبل أن يكونوا حملة للعلوم.
فالطالب الذي يسعى في طلب العلم بلا أخلاق كمن يبني قصراً شامخاً على رمال متحركة، سرعان ما ينهار. أما الذي يشدّ عُراه بصدق المعاملة، وجمال الخلق، ونقاء القلب، فهو الذي يُشيّد صرحاً لا تهدمه الأيام، ولا تنال منه العواصف.
فلنغرس في نفوس أبنائنا أن الأخلاق ليست ترفاً، ولا خياراً إضافياً، بل هي أساس العلم، وجوهر الإنسان. وإذا أردنا نهضة أمة، فلتكن البداية من مدرسة الأخلاق، التي تخرّج عقولاً متنوّرة، وقلوباً طاهرة، وألسنة صادقة.
فالأخلاق بلا علم قد تقود إلى جهل، والعلم بلا أخلاق قد يقود إلى فساد، أما حين يتعانقان، فهناك يولد الإنسان الذي يُعمّر الأرض ويُرضي السماء.