أشرف محمدين يكتب: الابتلاء.. رسالة حب من السماء


في خضم ما يمر به الإنسان من أزمات وضغوط، يظل سؤال يتردد في الأذهان: هل الابتلاء غضب من الله أم رحمة خفية؟ كثيرون ينظرون إلى المصائب على أنها عقاب قاسٍ، بينما يراها آخرون بابًا خفيًا من أبواب الرحمة الإلهية.
الحقيقة التي يؤكدها القرآن والسنة وتجارب المؤمنين أن الابتلاء ليس غضبًا دائمًا، بل قد يكون أعظم دليل على محبة الله لعبده. فقد جاء في الحديث الشريف: “إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.”، وهو ما يجعل المصيبة امتحانًا للإيمان، وفرصة لترسيخ الصبر، ووسيلة لرفع الدرجات.
الابتلاء إذن ليس كسرًا للنفس، بل كشف لمعدنها، وتمييز بين الصادق والمتردد، وبين من يعبد الله على يقين ومن يعبده على حرف. وهو كذلك وسيلة تربوية تُسقط عن القلب أوهام الاعتماد على الأسباب وحدها، لتزرع مكانها يقينًا بأن الأمر كله بيد الله، وأن وراء كل مشهد ظاهري حكمة إلهية أعمق مما نرى.
أما الصبر على البلاء، فهو الترجمة العملية لصدق الإيمان. يقول الإمام علي رضي الله عنه: “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.”، ولا عجب في ذلك؛ فالصبر ليس استسلامًا سلبيًا، بل وعي بأن وراء الألم خيرًا، وأن ما عند الله خير وأبقى. الصبر يمنح صاحبه سكينة وسط العواصف، ويحوّل الجراح إلى دروس، والمحن إلى منح.
التجارب الإنسانية تثبت أن الابتلاءات تصنع من الإنسان شخصًا أكثر نضجًا ورقة، وتفتح له أبوابًا للاتصال بالله لا تُفتح في أوقات الرخاء. فكم من دمعة ولّدت ابتسامة، وكم من محنة كانت طريقًا لمنحة، وكم من جرح صار بداية حياة جديدة.
في النهاية، يظل الابتلاء امتحانًا سماويًا، يحمل في طياته رسالة حب من الله لعباده، ليقودهم إلى الطهر والرفعة. والصبر هو الجواب الذي يقدمه المؤمن، ليعلن أنه على العهد باقٍ، مؤمن أن بعد الليل فجرًا، وبعد كل دمع فرحًا، وبعد كل صبر جنانًا لا تفنى.