أشرف محمدين يكتب: المولد النبوي… احتفال يتجاوز الطقوس إلى جوهر السنة


مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، تتزين مدن العالم الإسلامي بالأضواء، وتصدح المساجد بالابتهالات والمدائح، وتنتشر الحلوى في البيوت والشوارع. لكن يبقى السؤال حاضرًا: هل يقتصر الاحتفال الحقيقي بذكرى مولد الرسول ﷺ على هذه المظاهر، أم أن المعنى الأعمق يكمن في استحضار رسالته وإحياء سنته في واقعنا المعاصر؟
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد قائد أو نبي يؤدي رسالة، بل كان مدرسة أخلاقية متكاملة. فقد وصفه القرآن بقوله: “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ”، وأكد هو بنفسه الهدف الأسمى لرسالته حين قال: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.” ومن هنا فإن الاحتفال الحقيقي بمولده لا يتجسد في الأناشيد وحدها ولا في المظاهر الاحتفالية، بل في إحياء القيم التي جاء بها وترجمتها إلى سلوك يومي.
قيم الرحمة التي أوصى بها النبي تتجلى في قوله: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.” وقيمة التسامح التي مارسها حين عفا عمن آذوه قائلاً: “اذهبوا فأنتم الطلقاء.” تلك المبادئ ليست نصوصًا تُحفظ، بل حياة تُعاش.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قريبًا من الناس، يجالس الفقراء، ويزور المرضى، ويشارك أصحابه في أفراحهم وأحزانهم. لم يكن متعاليًا ولا منعزلًا، بل متواضعًا ينشر المحبة ويعطي كل إنسان شعورًا بالقرب منه. وهذا الدرس الجوهري هو ما نحتاج إليه في زمان تغلبت فيه المظاهر على الجوهر، والمادة على القيم.
إن المولد النبوي مناسبة تدعونا لإعادة قراءة السيرة النبوية بعيدًا عن الروايات المتكررة، لنستلهم منها ما يعيد لمجتمعاتنا روح الوحدة والتكافل. وهو أيضًا فرصة لمراجعة ذواتنا، لنجعل من حب النبي ﷺ سلوكًا عمليًا نعيشه في بيوتنا وأعمالنا وشوارعنا، في الصدق والإخلاص والعدل والتسامح.
فالاحتفال بالمولد النبوي ليس يومًا عابرًا يُعظم ثم يُنسى، بل هو منهج حياة ممتد، يجعل من أخلاق الرسول بوصلة نهتدي بها في تعاملاتنا. وإذا أردنا أن نكون أوفياء له حقًا، فعلينا أن نُثبت أن رسالته ما زالت حية فينا، وأن القيم التي جاء بها قادرة على إصلاح واقعنا مهما تبدلت الظروف.
إنها دعوة مفتوحة لأن نجعل من كل يوم في حياتنا مولدًا جديدًا للقيم التي جاء بها سيد الخلق ﷺ، لنكون بحق أتباعه، ونترجم الحب الأعظم في التاريخ إلى حياة نابضة بالخير والرحمة.