الأربعاء 23 يوليو 2025 10:54 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

ثورة يوليو.. نبض مصر ومحرّك المنطقة

النهار نيوز

في فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، لم يكن المصريون على موعد مع انقلاب عسكري فحسب، بل مع ميلاد فجر جديد لأمة أنهكها الاستعمار، وابتلع كرامتها الفقر والفساد والتبعية. خرج الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر لا ليغيّروا نظام الحكم فقط، بل ليعيدوا صياغة هوية وطن، ويؤسسوا لدور إقليمي لا تزال أصداؤه تتردد حتى اليوم.

لم تكن ثورة يوليو مجرد حدث محلي، بل كانت زلزالاً سياسيًا أعاد ترتيب موازين القوة في المنطقة، وأشعل جذوة التحرر في قلوب الشعوب العربية والإفريقية. فمصر التي كانت "تابعة" تحوّلت إلى "قائدة"، ومن دولة تنحني أمام النفوذ الأجنبي، أصبحت قبلة الأحرار، وصوت المستضعفين، ومدرسة الثورة في العالم الثالث.

تحول تاريخي.. من العرش إلى الشعب

بإلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية، تمكّنت الثورة من نقل السلطة من يد النخبة الأرستقراطية إلى الشعب العامل. كانت العدالة الاجتماعية هدفًا لا شعارًا، فجاء الإصلاح الزراعي، ومجانية التعليم، وتأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، وكلها خطوات نقلت مصر من ظلال التبعية إلى شمس السيادة.

لم يكن المشروع الثوري محصورًا في الداخل، بل كان للمحيط العربي نصيب الأسد من الحلم الناصري. من الجزائر إلى اليمن، ومن بغداد إلى الخرطوم، كانت القاهرة نبضًا عربيًا حرًا، وإذاعة "صوت العرب" هي منبر الثورة، تنقل الحلم وتلهب الوجدان.

قلب العروبة النابض.. من القاهرة إلى كل العواصم

تحوّلت القاهرة بعد الثورة إلى مركز استقطاب للحركات التحررية، وأصبحت مصر ركيزة رئيسية في تأسيس حركة "عدم الانحياز"، ومعسكرًا للسلام العادل الذي لا يساوي بين الضحية والجلاد. كانت مصر هي القلب الذي ينبض بالعروبة، والروح التي تبعث الأمل في شعوب أنهكها الاستعمار الغربي.

وقد واجهت مصر هذا الدور بثمن غالٍ، فقد خاضت ثلاث حروب كبرى ضد الكيان الصهيوني، ودعمت بكل شجاعة قضايا الأمة في فلسطين، والجزائر، والسودان، وإفريقيا السمراء. لم تكن ثورة يوليو مشروعًا لمصر وحدها، بل كانت رسالة إلى العالم بأن الكلمة يمكن أن تكون للأمم الحرة لا للمستعمرين.

اليوم.. إرث الثورة ومسؤولية القيادة

سبعة عقود مرت، ولا تزال ثورة يوليو حاضرة في الضمير الجمعي للأمة، تلهم الأجيال الجديدة بثقافة الكرامة، وترسّخ مفهوم الدولة الوطنية القوية القادرة على قيادة الإقليم وتجاوز التحديات. واليوم، في ظل التغيرات الجيوسياسية والرهانات الجديدة، تواصل مصر حمل الراية، محافظة على موقعها التاريخي في قيادة المنطقة، بثبات العقلاء وحكمة الكبار.

من دعم القضية الفلسطينية، إلى حماية الأمن القومي العربي، ومن مشروعات البنية التحتية العملاقة، إلى استراتيجية الدولة نحو "الجمهورية الجديدة"، تثبت مصر أنها الوريث الحقيقي لثورة يوليو، تحمل رسالتها، وتطوّع أدوات العصر لخدمة ذات الهدف: "الكرامة، الاستقلال، والعدالة".