مصر والريادة الخالدة


لم تكن ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 مجرّد انقلاب عسكري، بل كانت زلزالًا وعيًا عربيًّا، أيقظ الشعوب من سباتها الطويل، وأعلن أن مصر عادت كما كانت، قلب الأمة النابض، وضميرها المتوهّج. كانت الثورة ميلادًا جديدًا، لا لوطنٍ أنهكته الفجوة الطبقية وحكم القصور، بل لأمة بأسرها كانت تنتظر من يشعل الشرارة في الظلام.
خرج الضباط الأحرار من رحم شعبٍ كابد الفقر والجهل والتبعية، لكنهم لم يثوروا لأجل الحكم، بل لأجل الحلم. حلم العدالة الاجتماعية، والاستقلال الحقيقي، وكرامة الإنسان المصري والعربي. ومن يومها، لم تعد مصر أسيرة حدودها، بل صارت نواة التحرر في إفريقيا وآسيا والعالم العربي.
ومن عبد الناصر الذي رفع راية العروبة، إلى السادات الذي كتب السلام بحبر الحرب، إلى مصر اليوم التي تواجه التحديات الجسام من إرهابٍ وتدخلاتٍ خارجية، ظلّت مصر هي القلعة الصامدة، والعقل السياسي للمنطقة، والملجأ الأخير وقت الشدائد.
لقد تغيّر العالم، وتبدّلت الموازين، لكن مصر لم تنكفئ يومًا على ذاتها، بل ظلّت شُعلة دائمة، تضيء الطريق للأشقاء في فلسطين، والسودان، وليبيا، وسوريا، وكل بلدٍ يطلب نصرتها. وإنها مصر الثورة، ومصر السلام، ومصر البناء، التي تؤمن أن القيادة ليست في الصوت العالي، بل في الفعل الرصين، والنفس الطويل، والقرار الذي يُبنى على الحكمة لا العاطفة.
في ذكرى ثورة يوليو، لا نُحيي مجرد حدثٍ تاريخي، بل نُجدّد العهد أن تظل مصر كما كانت: مهد العروبة، وصوت الشعوب، وريادة لا تموت.