الخميس 28 مارس 2024 11:43 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : تصريحات متناقضة أذربيجانية حول النزاع مع أرمينيا.

النهار نيوز

بحث الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، خلال لقائه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، أول أمس الأربعاء 15 مارس 2023، العلاقات الثنائية بين البلدين ،ومفاوضات السلام بين أرمينيا وأذربيجان، فضلا عن ذلك تبادلا خلال المحادثات وجهات النظر حول عملية تطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا.

ما يثير الدهشة بل الصدمة ، أن رأس الدولة في أذربيجان يقوم بهذه الزيارة الرسمية التمثيلية لدولته و يتحدث مع نظيره التركي حول إمكانية تدشين سلام دائم و شامل مع أرمينيا، الدولة التي ما برحت "متحاربة"، وفقا للقانون و الواقع مع دولته، وفي ذات الوقت يدلي بتصريح متناقض وغريب في " باكو" يتحدث فيه عن انتهاء النزاع مع أرمينيا، وأن الاتفاق الأخير الذي رعته روسيا الفيدرالية أنهي أية اختصاصات أو مُكنات مستقبلية للمجتمع الدولي في هذا الشأن .

يدرك المجتمع الدولي كافة دول ومنظمات دولية الطبيعة و الماهية القانونية للصك الدولي الذي أبُرم في موسكو، و بذلت روسيا الفيدرالية جهود الوساطة و المساعي الحميدة من أجل ابرام ذلك الاتفاق الذي وضع حدا فقط للعدائيات العسكرية و لكنه لم ينهي تماما حالة الحرب، ولم يرسي سلام شامل بين الدولتين المتحاربتين، ولعل الرئيس علييف ذاته يدرك هذه المسألة و إلا ما كان تحدث مع الرئيس التركي أردوجان حول تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع أرمينيا، وابرام معاهدة سلام مع الدولة المتحاربة مع دولته .

اتفاق وقف إطلاق النار

تدعو الضرورة أثناء القتال بشكل عام إلى وقفه توقيفا مؤقتا، وذلك لأغراض مختلفة من بينها إغاثة الجرحى الموجودين فى الميدان، ونقل جثثهم ودفنهم؛ لذا فوقف القتال إجراء عسكري مؤقت وليس له صفة سياسية، ولا ينص فى ذلك الاتفاق على شروط ذات طابع سيأسى .
ورغم أن الغالب أن يتم الاتفاق بين المتحاربين وبإرادتهم السياسة الحرة، إلا أنه وفى الآونة الأخيرة وفى الحالات التي من شأن استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين، نجد أن مجلس الأمن يقوم بإصدار قراراته فى شأن حفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما لنصابهما، وتتضمن مثل هذه القرارات الأمر بوقف إطلاق النار من جانب المتحاربين ،ومن أشهر الحالات التي اضطلع فيها مجلس الأمن بهذه المهمة إصدار المجلس العديد من قراراته فى هذا الشأن فى حرب أكتوبر عام 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006.
كما يمكن أن تساهم جهود دولة أو مجموعة دول أو منظمة دولية فى التوصل لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، وتُعد جهود الوساطة الروسية في التوصل لوقف اطلاق النار بين أرمينيا و أذربيجان مثالا صارخا في هذا الصدد، ودليلا قانونيا يدحض تصريحات الرئيس الأذربيجاني قبل سفره لتركيا ، و الذي زعم فيه انتهاء التوصل لتسوية نهائية برعاية روسيا الفيدرالية .

اتفاق الهدنة

خلافا لاتفاق وقف اطلاق النار، تُعد الهدنة فى معناها القانوني اتفاق يتم بمقتضاه وقف عمليات القتال بين الأطراف المتحاربة، وهو اتفاق سيأسى عسكري يؤدى غالبا إلى وقف القتال لفترة طويلة نسبيا، مقارنة باتفاق وقف إطلاق النار، وان كانت الهدنة لا تعنى إنهاء حالة الحرب.

إن اتفاق الهدنة عمل ذو طابع سيأسى بجانب صفته العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون توطئة لعقد الصلح؛ لذلك فألذى يملك عقد الهدنة حكومات الدول المحاربة ذاتها، ويتولى الأمر فى شأن الهدنة وفى تحديد شروطها ممثلون عن أطراف الاتفاق يعينون خصيصا لذلك، ولا تصبح الهدنة ملزمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها.
وكما تشمل الهدنة وقف جميع العمليات الحربية بين طرفي النزاع المسلح فى جميع الميادين، وهو ما يعرف بالهدنة العامة، حيث استخدم مجلس الأمن مصطلح الهدنة العامة فى قراره بتاريخ 16 نوفمبر عام 1948 بشأن الحرب الإسرائيلية العربية، وقد تقتصر الهدنة -أيضا- على مناطق معينة وهى ما تعرف بالهدنة المحلية، وعادة ما يحدد للهدنة أجل تنتهى بانقضائه، ويكون لكلا الفريقين المتحاربين العودة للقتال إن لم يتفقا على الصلح.
ويتحدد مضمون الهدنة من قبل أطرافها، وهو قد يشمل، إضافة للأعمال المحظورة، إنشاء مناطق منزوعة السلاح كما تم فى اتفاق الهدنة الشهير عام 1953 بعد انتهاء الحرب الكورية، والذى أنشا المنطقة منزوعة السلاح شمال وجنوب خط العرض 38، وإنشاء مناطق دفاعية، وتبادل أسرى الحرب .
إن أي إخلال جسيم بشروط الهدنة الواردة فى اتفاقها من جانب أحد الطرفين يعطى الطرف الآخر الحق فى نقضها ويعتبرها منتهية، وله فى حالة الضرورة القصوى أن يستأنف القتال مباشرة، وفضلا عن ذلك فان هذا الانتهاك ومخالفة شروط الهدنة، يرتب المسؤولية الدولية على الدولة المخالفة بوصفها ارتكبت مخالفة لالتزاماتها الدولية، أما إذا كان الإخلال من الأفراد من تلقاء أنفسهم وبإرادتهم المحضة أي دون تلقى أوامر قيادية عليا من رؤسائهم، فللطرف الآخر أن يطلب فقط معاقبة المسئولين، ودفع تعويض عن الإضرار التي نتجت عن هذا الإخلال.
والهدنة مهما طال أمدها لا تعنى إلا مجرد وقف القتال بين أطرافها ولا تنهى قانونا حالة الحرب القائمة بينهم، فحالة الحرب لا تنتهى قانونا إلا بتوقيع معاهدة سلام مثل التي أنهت الحرب بين إسرائيل ومصر والتي أبرمتها الدولتين فى مارس 1979، ومعاهدة وادى عربة عام 1994 التي أنهت الحرب بين إسرائيل والأردن.

الحرب الكورية هي مثال على صراع انتهى بهدنة ، وليس معاهدة سلام مع اتفاقية الهدنة الكورية. ومع ذلك، فإن تلك الحرب لم تنته من الناحية الفنية أبدًا ، لأنه لم يتم التوصل إلى معاهدة سلام نهائية أو تسوية نهائية.

اتفاق الهدنة الأرميني الأذربيجاني

ينص اتفاق الهدنة المتعدد الأطراف الذي وقعه في موسكو عام 2020 رئيس أذربيجان، إلهام علييف، ورئيس وزراء جمهورية أرمينيا نيكول باشينيان، ورئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين على عدد من المسائل الهامة ، نذكر منها ما يلي:

  • وقف كامل لإطلاق النار وإنهاء جميع الأعمال العدائية في نزاع قره باغ اعتبارا من الساعة 00:00 بتوقيت موسكو في 10 نوفمبر 2020.
  • تعود مقاطعة آقدام إلى جمهورية أذربيجان بحلول 20 نوفمبر 2020.
  • على طول خط التماس في مرتفعات - قره باغ وعلى طول ممر لاتشين، ستكون هناك وحدة لحفظ السلام تابعة للاتحاد الروسي، يبلغ قوامها 1960 فردا عسكريا مع أسلحة صغيرة، و90 ناقلة جنود مدرعة، و380 وحدة آلية ومعدات خاصة.
  • تنشر وحدة حفظ السلام التابعة للاتحاد الروسي بالتوازي مع انسحاب القوات المسلحة الأرمينية، وتبلغ مدة وحدة حفظ السلام التابعة للاتحاد الروسي 5 سنوات مع التجديد التلقائي لفترات السنوات الخمس القادمة، إذا لم يذكر أي من الأطراف خلاف ذلك قبل 6 أشهر.
  • من أجل تحسين فعالية الرقابة على تنفيذ الأطراف في اتفاقات الصراع، يجري نشر مركز لحفظ السلام لمراقبة وقف إطلاق النار.
  • بموافقة الطرفين، سيتم تحديد خطة بناء في السنوات الثلاث المقبلة لطريق جديد للتنقل على طول ممر لاتشين، يوفر وصلة بين مرتفعات - قره باغ وأرمينيا مع إعادة نشر لاحق لفرقة حفظ السلام الروسية لحراسة هذا الطريق.
  • تكفل جمهورية أذربيجان سلامة حركة المرو على طول ممر لاتشين للمواطنين والمركبات والسلع في كلا الاتجاهين.
  • يعود المشردون داخليا واللاجئون إلى أراضي ناغورنو - قره باغ والمناطق المجاورة تحت سيطرة مكتب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
  • بموافقة الطرفين، سيتم بناء اتصالات جديدة في مجال النقل تربط جمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي بمناطق أذربيجان.

جَليٌ أن اتفاق الهدنة المشار إليه لا يمكن اعتباره معاهدة سلام شاملة بين الدولتين المتحاربتين ، مقارنة بسائر المعاهدات الدولية التي تلجأ إليها الدول المتحاربة لترسي السلام بينها ، وتدليلا علي ذلك أن اتفاق الهدنة الذي أبرمته اسرائيل في رودس عام 1949 مع سوريا و لبنان و مصر و الأردن لم ينهي العدائيات العسكرية بين هذه الدول سوي انهاء مؤقت لهذه العدائيات، ولذلك لا توصف لبنان و سوريا و إسرائيل إلا بالدول المتحاربة حتي الآن ، خلافا لمصر و إسرائيل و الأردن التي انتقلت من حالة الحرب إلي حالة السلم بعد ابرام هذه الدول معاهدة السلام في عام 1979 ، وبعدها في عام 1994 .

معاهدات السلام

تعد معاهدة السلام التي تبرمها الدول المتحاربة هي الصك الدولي الحصري الذي ينهي حالة الحرب و يرسي السلام بين الدول المتحاربة؛ ولذلك يتضح اختلاف الأثر القانوني و الواقعي بين معاهدات السلام التي تنهي تماما ليس فقط العدائيات العسكرية بين المتحاربين وحسب، ولكن حالة الحرب برمتها، وبين اتفاقات الهدنة وصنوها اتفاقات وقف إطلاق النار التي لا تعدو سوي صكوك مؤقتة غير نهائية لوقف العدائية العسكرية أي العمليات العسكرية للمتحاربين .

معاهدة السلام هي اتفاقية بين طرفين أو أكثر من الأطراف المعادية ، والتي تنهي رسميًا حالة الحرب بين الطرفين وهي تختلف عن الهدنة، وهي اتفاقية لوقف الأعمال العدائية، حيث يوافق الجيش على التخلي عن السلاح؛ حيث قد يتفق الطرفان على وقف القتال بشكل مؤقت أو دائم.

تنشأ الحاجة إلى معاهدة سلام في الدبلوماسية الحديثة من حقيقة أنه حتى عندما تنتهي الحرب فعليًا وتوقف القتال، لا يتم إنهاء الحالة القانونية للحرب تلقائيًا عند انتهاء القتال الفعلي ولا يزال يتم تعريف الأطراف المتحاربة قانونًا على أنها أعداء، نتيجة لذلك، حتى عندما تنتهي الأعمال العدائية، يلزم وجود معاهدة سلام للمتحاربين السابقين من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن جميع القضايا المتعلقة بالانتقال إلى حالة السلام القانونية

مصر و إسرائيل

في عام 1978، وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية "كامب ديفيد" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيجن، بعد سلسلة مفاوضات برعاية الرئيس الأميركي وقتها جيمي كارتر، والتي أدت لاحقاً لإبرام معاهدة السلام في عام 1979.

واشتملت المحاور الرئيسية للمعاهدة بين القاهرة وتل أبيب على إنهاء حالة الحرب، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من سيناء التي احتلتها بالقوة العسكرية عام 1967، فضلاً عن إقامة علاقات ودية بين البلدين.

كما ضمت المعاهدة السماح للسفن الإسرائيلية باستخدام قناة السويس، وبدء مفاوضات إنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى اعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية.

الأردن وإسرائيل

أما المعاهدة الموقعة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، برعاية أميركية، فقد تناولت النزاع الحدودي. وفي الـ26 من أكتوبر 1994، وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين والملك الأردني الراحل الحسين بن طلال معاهدة سلام، أنهت 46 عاماً من حالة الحرب وضمنت المعاهدة الموقعة بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون، الأمن لإسرائيل على أطول حدودها، ووضعت الأساس للتعاون الاقتصادي. كما اعترفت "بالدور التاريخي" للأردن في إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.

فضلا عما سبق الإشارة إليه من مشتملات قد تتضمنها معاهدات السلام ، هناك العديد من القضايا المحتملة التي قد يتم تضمينها في معاهدة السلام مثل ما يلي:

  • التعيين الرسمي للحدود ؛
  • عمليات حل النزاعات المستقبلية ؛
  • الوصول إلي الموارد وتخصيصها ؛
  • وضع اللاجئين؛
  • وضع أسري الحرب؛
  • تسوية الديون القائمة؛
  • إعادة تطبيق المعاهدات التي علقت أو ألغت .

ختاما، تتناقض تصريحات الرئيس الأذربيجاني علييف مع مبدأ حسن النية ، أحد أهم المبادئ التي تؤطر العلاقات الدولية بين أعضاء المجتمع الدولي، ومن المرتقب أن تتسق تصريحات ممثلي الدول ،و في الصدارة منها رؤساء هذه الدول، مع القانون و الواقع، ومن شأن اطلاق التصريحات المرسلة في خضم النزاعات الدولية أن يفاقم هذه النزاعات بدلا من تهدئتها و تسويتها .