غربة اللون : خولة محمد


*غُربة اللون*
*خولة محمد*
تغتربُ الفنانة
تسافُر دربًا طويلًا
يكاد الشك يقتل أملا فيها
ويصيب إدراكها الإنكار
لا خُصْبَ بعد هذا القَحْطُ قط ولا زهر بعد هذا الجَدْب.
ولا ثمر بعد هذه الصحراء القاحلة.
بل ولا شئ سوى اسفلت ينام بثباتٍ على حِرقة التربة الجافة هذه.
درباً لا تُقْصره الغفوات أو الخفيفُ من الوجبات
بل تُثقله
يدي الفنان تَرْجُف
ونحو أطياف ألوانها تَزْحُف
الفنانة تلك
هي كذلك في غربةٍ أخرى
موطنها الألوان والكُرَّاس
ترنو إلى بياض ورقه
وصرير قلمه
وتحِّن لممحاةٍ تمسح برفقٍ دمعَ عبراتها
وتتحرقُّ شوقا لصوتِ مبراةٍ يبرمُ برفقٍ على الرصاص
يأخذُ منه رقاقاتٍ صغيرةٍ
ليعطيه بعد سنفرةٍ قاسية، خطٌ أجمل، ودرجاتِ ظلٍ أنقى.
ماذا ستفعل الفنانة
وهي بعيدةٌ عن مسندِ الرسم الخشبي
الذي يشهق مسرةً حين تضع كراسٍ بحنوٍ عليه .
والعينين تجولُ في ذاكرتهما
هل أختارت لوحة بالفعل؟
هل هناك طلب ما عليها انجازه قبل اسبوع؟
تحلق ذكرياتُ التواصل الحنون مع لحظات ترتيبٍ وتقويم لفرشاةٍ وألوان وأقلام وأوراق ناصعة.
تتذكرُ بعضا من المشاريع الفنية المؤجلة،
فتزيدُ في أجلها
وتؤخر جرعة اللون عنها
لسببٍ واضح ربما ، أو هكذا رغبةً أن تختار هي الصورَ واللوحة.
الفنانة تلك
أود أن ألتقي بعينيها واسألها بفضولٍ: ما زال كبريائك يحول بين رغبتك بالوصول للعالمية من خلال انجازك لعدد أكبر من الأوراق المرسومة
أما زالت تُرسل لبريدك
العديد من الوجوه تطالبك برسمها؟
أراكِ تحاولين أن تكسري هذا الكبرياء ؛ لأنه لن يوصلك لمرادك.
تبتغين عزا ارسمي
ما يُطلب منك
لتصلي الى عُلاً تطلبينه
تنهدت فجأة وهي ترد بوعيها إلى اللحظة الآنية
"منكَ سأمت"
ترمي ببكرة الصوف الدائرية التي أحضرتها
لسهولة حملها
وليس لمدى قربها من قلبها
تسألُ الصوف الذي بين يديها
أتبتغى مقام الفرشاة الآن؟
ثم تحتضنه بغته
وتتمتم:
لأنه يؤنسني في وحشة الغربة هذه.
وتردفُ سائلةً خيوطه:
متى العودة لألواني؟
فذراعُ الشوق طال
ولم أجد حضنا بعد.
بعيدا عن مرسمي
كل شئ يفوح برائحة الغُربة
التي أتيقن أنها لن تتلاشى إلا بالرسم فقط.