الكاتب أحمد قنديل يكتب ”المثقفون الجهلاء”


ليس من الضروري أن يكون المثقف متعلم وانما يجب أن يكون كل متعلم مثقفا.
فأحيانا نجد أشخاص غير متعلمين لديهم ثقافة عامة تفوق ثقافة المتعلمين بمراحل كثيرة ، ونجدهم ملمين بالثقافات العامة ، وأمور الحياة ،واحيانا نسمع منهم مواعظ وحكم لا يعلمها الكثير من المتعلمين ، كما انك كثيرا ما تجدهم بارعون في العمليات الحسابية ، والهندسية ،واعمال أخرى كثيرة اكسبتهم الحياة إياها دون أن يبلغوا مبلغاً من العلم ونادراً ما تجدهم في مجتمعاتنا
فان التعلم هو نوع من أنواع تلقي العلوم بشتى صورها للوصول إلى المعرفة ، وكما نعلم جميعاً أن التعليم هو نقل العلوم ، والمعرفة إلي المتلقي. وكثيرا ما نرى متعلمون يجهلون الكثير والكثير من العلوم الدنيوية ، والحكمة في القول والفعل وهذا ما يجعلهم يصطدموا بمن حولهم ، من العامة ولا يجيدون التعامل معهم فالحكمة يؤتيها الله تعالى لمن يشاء من عباده وليس لكل عباده إذ قال تعالى في كتابه العزيز
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ 269 ) سورة البقرة
والكارثة الكبري عندما نرى بعض المتعلمين الغير مثقفين يوهمون من حولهم بطلاوة حديثهم المتناسق ،والافكار المعلبة ، والاجندات الدولية ، فيقع الكثير من العامة تحت وطأة مزاعمهم ، وأحياناً يستجيب لهم الكثيرون، وينساقوا وراء أكاذيبهم ،وأفكاره فيقعون في الخطأ واللبس والوهم ، وقد نرى الكثير منهم هذه الأيام إستحوذ على الفضاء الإعلامي والثقافي ، ببراعتهم فى تنسيق الحديث وسياقته ، واستياق الأكاذيب ، بهدف توجيه الرأي العام نحو قناعات أيديولوجية أحادية البعد خاصة بفئات معينة تخدم مصالحهم ، وانتماءاتهم.
هؤلاء هم الأصل والسبب الحقيقي فيما، نشهده الآن ، في حياتنا ، ومعاملاتنا اليومية التي لا تخلوا من الإحتكاك بهم في شتي مناحي الحياة فهناك من هو عالم ولا يعلم ما سوف يترتب على نتائج علمه وابحاثه من دمار وخراب كما قال عنهم الفيلسوف الكبير سارْتر في كتابه دفاعًا عن المثقّفين الحقيقيين صفحة 12 ، إذ يقول { لو أردتُم مثالاً على هذا التّصور الشائع للمثقف، لقُلت إنّ صفةَ المثقّف لا تُطلق على علماء يَعْملون في حقْل انشطار الذرة لتطوير أسلحة الحرب الذّرية وتحسينها: فهُم محْضُ علماء، لا أكثر ولا أقلّ؛ ولكن إذا ما انتابَ هؤلاء العلماء أنفُسهم الذّعْرُ لما تَنطوي عليه الأسلحةُ التي تُصنع بفضل جهودهِم وأبحاثهم من طاقة تدميرية، فاجتمعوا، ووقَّعوا بيانًا لتحذير الرأي العام من استخدام القنبلة الذّرية، غدَوا من فَوْرهم مُثقّفين، وذلك، بالفعل، لأنّهم: أولاً تجاوزوا صلاحيتهم على اعتبار أنّ صُنع قنبلة شيء، والحكمَ على استعمالها شيء آخر.. ثانيا، استغلّوا شُهْرتهم أو الصّلاحية الـمُعْطاة لهم ليتعدَّوا على الرأيِ العام، مُخفين بذلك الهوّةَ السّحيقةَ التي تفصل معارفهم العِلمية عن التقْييم السّياسي الذي يُجرونَه انطلاقًا من مبادئ أخرى للأسلحة التي يخترعونها.. ثالثا، لا يُدينون باسمِ نظام من القيَم قابِل كلّ القابِلية للنّقض والدّحْض، وضابطه الأعلى ومعيارُه الأسمى الحياةُ البشرية }
هكذا يكون المثقف الجاهل الذي قرأ ولم يستوعب أو يتدبر ما قرأ بكل الأوجه والنظريات ، وتفرد بقناعة ورأى تولد ليه من خلال مستوى فهمه أو تحليله لما قرأ أو شاهد
فلابد وأن يتميز المثقف الحقيقي برَبطهِ بين الماضي والحاضر، ونعطي على ذلك مثالا واقعياً كثيرا ما نشاهده في أيامنا هذه نفرض أن لدينا مهندساً درس كل علوم الهندسة المعاصرة دون أن يعلم شيئا عن التطور التاريخي الذي انتهت إليه تلك العلوم فهو إذا عالما في موضع تخصصه لكنه ليس مثقفا ، لكنه إذا وقف أمام صفحات التاريخ العلمي لهذا المجال سيري ويعلم كيف وصل هذا العلم إلى ما وصل إليه
ولكن مانراه الآن من غير المتخصصين فيما يتحدثون به وعنه ماهو إلا خليط متجانس من الأفكار الشيطانية ، يقصد بها إبعاد الناس عن أهل الإختصاص والمرجع في مختلف العلوم وتشكيكهم فيما يأخذ عنهم