أيمن سلامة : إجراءات طالبان الاقصائية ضد المرأة تؤجل الاعتراف بحكومتها


ما برحت حركة طالبان تحاول الحصول على اعتراف دولي بحكومتها، وللوصول إلى هذا الهدف يكرر قادتها في كل مناسبة رسائل الطمأنة للداخل والخارج بأنها لا تفعل شيئا يسبب قلق المجتمع الدولي في قضايا كالسماح للمرأة الأفغانية بالدراسة والعمل، واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والسفر والتنقل للمواطنين، والأهم منع استخدام الأراضي الأفغانية ضد الدول الأخرى، وتسعى الحركة لتفادي العزلة الدولية كما في فترة حكمها الأولى، حيث لم يعترف بحكومتها آنذاك إلا باكستان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
لكن القرارات الأخيرة التي أصدرتها حركة «طالبان» الأفغانية بحظر عمل النساء في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية وحرمانهن من التعليم الجامعي اثارت زوبعة لا تتوقف من ردود الفعل، رفضاً لهذه الإجراءات التي لا تحترم أبسط حقوق الإنسان، وتتعارض مع القيم الإنسانية والإسلامية ، ولها تداعيات خطيرة على هذا البلد الذي يواجه تحديات كبرى وتهديدات لا تحصى ، وأدانها أمس بالإجماع مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة .
ما تتعرض له النساء في أفغانستان يمثل انتكاسة في الطريق إلى التعافي المأمول، فلا يمكن لكل مناحي الحياة أن تعمل من دون مشاركة السيدات والفتيات، وخصوصاً لدى المنظمات المحلية والدولية الناشطة في مجالات الصحة والتربية والإغاثة، وأغلب المستهدفين من النساء والأطفال والمسنين، وهذه الفئات الاجتماعية تتطلب معاملات خاصة تنهض بها النساء حصراً في كنف احترام الخصوصيات والأعراف.
يعني الاعتراف القانوني بحكومة طالبان بوصفها الممثل الشرعي لأفغانستان، انتقال طالبان من حركة مقاومة مسلحة، كانت توصف بـ “الإرهابية" من معظم أشخاص المجتمع الدولي ، إلى حكومة شرعية تتمتع بكافة الحقوق المتعارف بها دوليا، ومنها العضوية في منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات و المحافل الدولية.
ومن أهم التداعيات أو الآثار القانونية للاعتراف بحكومة طالبان حصولها على حق استخدام القوة في مواجهة خصومها في الداخل، كسائر الحكومات المعترف بها ، وهذا الحق يكفله القانونين الدولي و الدستوري ، حيث تتحول الحركات المناهضة لطالبان، مثل جبهة المقاومة الوطنية بزعامة أحمد مسعود، تلقائيا إلى جماعات متمردة غير شرعية يحق للحكومة مواجهتها و سحقها بقوة السلاح ، كما أن هذا الاعتراف القانوني بطالبان يضفي، في نظر المجتمع الدولي، الشرعية على القوانين والقرارات الصادرة عن الحكومة في الشؤون الداخلية، لأنها تصدر عن حكومة معترف بها دوليا.
من ناحية أخري ، لا يعد الاعتراف الواقعي بحكومة طالبان اعترافا قانونيا رسميا بالحركة ، فرغم توقيع الولايات المتحدة اتفاقية الدوحة مع طالبان والتي تعتبر نوعا من الاعتراف الواقعي بالحركة، فإن أميركا تربط الاعتراف القانوني بطالبان ، بسلوك الحركة تجاه قضايا حقوقية عديدة منها حقوق المرأة ، ومسائل حيوية أخري منها التزامها بعدم السماح بالمنظمات التي تعتبرها الولايات المتحدة "إرهابية".
توصف الحكومات التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية أي عن طريق الثورة أو الانقلاب ، بالحكومة غير الشرعية وذلك بالنظر لكونها لا تستند للشرعية الدستورية قبل نشأتها ، وتُدمغ هذه الحكومات تمييزا عن الحكومات الشرعية أو القانونية بحكومات الأمر الواقع والحكومات الفعلية .
تتمتع سلطات الحكومة الواقعية بالفاعلية ، أي أنها قادرة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها على فرض نفسها على المواطنين والموظفين الرسميين ، فيذعنوا لها ويقوموا بتنفيذ أوامرها و تعليماتها ، كما تتميز هذه الحكومات الفعلية باحتكار الصلاحيات والاستئثار بها ، أي أنها تتمكن من ممارسة السلطة وحدها في الإقليم ، ولا ينازعها سلطة أخري ، وتدق هذه المسألة الأخيرة في الشأن الأفغاني ، فحين قامت حركة طالبان، لاحقا ، بتشكيل حكومتها الجديدة والتي ضمت بعضا من القادة الأفغان السابقين في الحكومة المخلوعة ، فذلك لا ينتقص من استئثار حركة طالبان بالسلطة الحاكمة في البلاد .
لا يمكن للحكومات الواقعية الادعاء بتمثيل الدولة تمثيلا قانونيا ، ولا يمكن اكتساب الشرعية القانونية على الصعيدين الداخلي والخارجي ما لم تقم بالإجراءات الدستورية الضرورية وباكتساب رضا الشعب على الصعيد الداخلي ، ورضا الدول الأخرى عن طريق الاعتراف على الصعيد الدولي .
عَرّف مَجمَع القانون الدولي الاعتراف بالحكومة بأنه : ( التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود سلطة أو حكومة معينة قادرة على حفظ الأمن وتمثيل الدولة القائمة في المجموعة الدولية والقيام بجميع التزاماتها تجاه الدول ) ويبدو أن مَجمَع القانون الدولي ، في تعريفه هذا قد أقر بمعيار الفاعلية للاعتراف بالحكومة الجديدة .
الاعتراف بالحكومة الجديدة ، طبقا للقانون الدولي ، أمر يعود تقديره لكل دولة على حدة وله صفة إقرارية ، لأنه عمل إرادي حر لا يخضع في إصداره من حيث المبدأ ولا في كيفية إصداره لرقابة دولية بل إنه عمل كاشف تقديري وذو صبغة سياسية ، حيث تقدره في نهاية المطاف السلطة السياسية في الدولة تحقيقا للمصالح العليا للدولة التي تقوم بالاعتراف بالحكومة الجديدة ، وعلى ذلك فالدول حرة في الاعتراف بالحكومات الجديدة التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية ، وفقا لمصالحها السياسية ، ولها رفض الاعتراف بها حتى وان توفرت المعايير السابقة أن اقتضت مصلحتها ذلك .
تأسيساً على ما تقدم ، فإن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة دستورية ، يختلف عن أثر الإعلان عن الحكومة التي تأتي إلى السلطة بطريقة غير دستورية الذي سبق شرحه ، إذ من الناحية الداخلية ، وان كانت الحكومة الجديدة تبدأ بممارسة السلطة من الناحية الواقعية ، إلا أن مجرد الإعلان عن الحكومة لا يضفي على هذه الممارسة الصفة الشرعية ولا تتحول هذه الحكومة إلى حكومة قانونية إلا بعد قيامها بالإجراءات الدستورية الضرورية ، كما أنه من الناحية الدولية فإن الإعلان عن الحكومة الجديدة لا تتحقق آثاره القانونية ، وخصوصا فيما يتعلق بممارسة الحقوق ، إلا بعد اعتراف الدول الأخرى بهذه الحكومة ؛ ذلك لأن الحكومة الجديدة وإن كانت ، طبقا لمبدأ استمرارية الدولة ، ترث الحكومة القديمة من حيث الحقوق والالتزامات منذ الإعلان عن نفسها بوصفها الممثل الجديد للدولة ، غير أن ممارسة أغلب هذه الحقوق ، كحق إبرام المعاهدات ، وحق تبادل التمثيل الدبلوماسي ، وتمتع ممثلي الدولة الجدد بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية ، تتوقف على اعتراف الدول الأخرى بها .