الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: مصر أولاً.. حافظوا عليها


مر العالم بأزمتين طاحنتين، أثرت على كل الاقتصاديات الدولية بالسلب، وتسببت في تهديد كبرى الأسواق العالمية بالانهيار، ولم يخفى على أحد سواء في الداخل أو الخارج أن أزمة كورونا وما نتج عنها من احداث ضربت الإقتصاد العالمي بهزة عنيفة كادت أن تفتك به، ما زاد من مستوى التضخم وأرتفعت معه الأسعار لأعلى المستويات، ثم حلت علينا الحرب الروسية الأوكرانية لتزداد الأزمة سوء، وينهار معها الاقتصاد العالمي وترتفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه خاصةً الطاقة والمحروقات والمواد الغذائية.
أثناء هاتين الأزمتين العالميتين كان من غير المتوقع، بل ومن المستحيل أن نجد دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم من الدول ذات الاقتصاد القوي تتأثر لهذا الحد، وأن تصل لأعلى مستوى من التضخم المصحوب بإرتفاع الأسعار بهذا الشكل الغير مسبوق، الأمر الذي اضطرهم مناشدة مواطنيهم بالتقشف وتقليل عدد الوجبات اليومية إلى واجبة واحدة، وعلى الرغم من كل ذلك تجد مصر مستمرة في بناء المشروعات القومية الكبرى، وإفتتاح المصانع العملاقة، والوضع الاقتصادي بها مطمئن إلى حد ما بخلاف دول اخرى كبرى.
مؤسسة «موديز» قررت في تقديرها لإقتصاديات العالم منتصف هذا الشهر، قررت تثبيت التصنيف الإنمائي لمصر بالعملة المحلية والأجنبية للمرة الثالثة على التوالي كما هو دون تعديل عند مستوى «B2»، مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري، وجاء ذلك متسقًا مع سائر التوقعات الإيجابية الأخرى من جانب مؤسسات دولية مثل صندوق النقدي الدولي، والبنك الدولي، وغيرهما، مع العلم أنها غيرت تصنيفها للعديد من الدول الكبرى، ومن بينها بريطانيا التي صنفت مؤشرها إلى سالب.
تقرير «موديز» يشير إلى أن الاقتصاد المصري قويًا وليس ضعيفًا كما يروج له أعداء النجاح والمتنطعين والمتربصين ودعاة الفتنة والتخريب، كما يشير إلى أن مصر استطاعت تحقيق الإصلاحات الاقتصادية بشكل مبدئي، في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي ركود حاد وغير مسبوق، واستطاعت خلال الأزمتين الحاليتين الحفاظ على تصنيفها الإنمائي، كما أن هذا التقرير عن الاقتصاد المصري رسالة طمأنة للمستثمر الأجنبي وابناء الدولة بخلاف ما يروج له أعداء الوطن بعلم وبدون علم.
في الحقيقة الأمر الاقتصاد المصري تأثر كغيره من باقي الاقتصاديات العالمية، لكن الفرق بين الاقتصاد المصري عن غيره يكمن في النظرة المستقبلية الثاقبة للقيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي وقرائته للعديد من الأحداث العالمية التي ستؤثر بالسلب في الأسواق الدولية، مع الجهود الحثيثة التي قام بها على مدار السنوات الثماني الماضية، وسعيه الدائم لبناء اقتصاد وطني قوي يتمتع بمقومات تنافسية ومرنة، تساهم في تعزيز مستويات النمو في مختلف القطاعات.
جهود الدولة المصرية خلال السنوات الماضية تمثلت في تحسين مناخ الاستثمار، وذلك من خلال حزمة من الاصلاحات الشاملة، والحوافز الاستثمارية المتنوعة، فضلًا عن مواصلتها جهود رفع كفاءة سوق العمل، وتدعيم مصادر النقد الاجنبي، علاوة على تبني الدولة لخطط التنمية في إطار عمل تشاركي بين مختلف قطاعاتها وشركاء التنمية داخليًا وخارجيًا، الأمر الذي شكل حجر الزاوية في القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات والتحديات الراهنة والتي أضرت كما ذكرت بمختلف اقتصاديات العالم.
مساعي الدولة المصرية الحثيثة والتي تبذلها لاحتواء مختلف التداعيات السلبية اقتصاديًا واجتماعيًا، انعكست هذه الجهود على نظرة المؤسسات الدولية للاقتصاد المصري وأدارته للمخاطر المترتبة على المتغيرات الدولية، خاصةً على الصعيد الاقتصادي، وفي نفس الوقت يطل علينا المتنطعين دعاة الفتنة، وأنصار الجماعة الإرهابية، ويشككون في جميع إنجازات الدولة وجهودها التي أشادت بها جميع المؤسسات الدولية العالمية، مستغلين هذه الأزمة العالمية بدعوة المواطنين لهدم الدولة لينهار معها الاقتصاد كما فعلوا من قبل لفرض حالة الفوضى العارمة، متغافلين عن تعافي هذا الاقتصاد واستقراره بشهادة المؤسسات العالمية.
زيادة التضخم العالمي الناتج عن هاتين الأزمتين، هو السبب الرئيسي في انفجار الأسعار العالمية وارتفاعه لأعلى مستوياته الغير مسبوقة، وكان له تبعاته على إرتفاع أسعار السلع في مصر، لكن بالمقارنة مع مثيلتها في العالم وبشهادة المؤسسات الإنمائية العالمية فإنها أقل بكثير عن الأسعار العالمية عدة مرات، كما هو واضح للقاصي والداني الفرق بين السعرين المحلي والعالمي.
الحقيقة المؤكدة أن المواطن المصري وكما هو واضح يُعاني معاناة قاسية من إرتفاعات الأسعار، لكن بالنظر لباقي الدول وخاصةً الكبرى نجد أن مصر وعلى سبيل المثال أسعار الطاقة بها أقل بكثير عن هذه الدول، كما أن الدولة وعلى الرغم من الارتفاعات الجنونية في أسعار النفط العالمية إلا أن لجنة تحديد سعر المحروقات أبقت هذا الأسبوع السعر ثابتًا كما كان عليه ولمدة ثلاث أشهر قادمة بعكس جميع الدول الكبرى التي رفعت سعر البنزين على سبيل المثال لأسعار خيالية بسبب هذه الأزمة.
الارتفاع المتكرر في الأسعار على مستوى العالم ناتج عن زيادة التضخم العالمي لأعلى مستوى له منذ عقود طويلة، وأجبر أكبر اقتصاد عالمي على رفع سعر الفائدة للدولار أكثر من مرة، وهو ما يعود بالسلب على باقي اقتصاديات الدول بما فيهم مصر، ولاحظنا صدى ذلك على دول كبرى، فعلى سبيل المثال بريطانيا التي حدث فيها هذا الأسبوع واقعة غير مسبوقة على الإطلاق، فالأسعار والتضخم العالمي أودى برئيسة الوزراء «ليز تراس» بعد ستة أسابيع فقط من توليها مهام منصبها وأجبرها على الاستقالة ليحل محلها «ريشي سوناك» وفي أول تصريح له قال سنضطر لإتخاذ إجراءات قاسية من أجل الخروج من هذه الأزمة الخطيرة، وما يحدث في فرنسا من مشهد لا يصدقه عقل، فأصحاب السيارات ينتظروا لأكثر من الست ساعات في طوابير طويلة جدًا أمام البنزينات، والغريب في الأمر أنه بعد كل هذه المعاناة لا يستطيع تموين سيارته بالكامل بل له عدد محدود من الترات ولا يتخطاه، فلم تستطيع فرنسا توفير البنزين والغذاء كما فعلت الحكومة المصرية.
المانيا رابع اقتصاد على مستوى العالم أجبرتها الأزمة الإقتصادية الحالية على رفع أسعار الطاقة والغذاء والكهرباء عشرات الأضعاف، ومع تصريح المستشار الألماني «أولاف شولتس» المدهش بدعوة المواطنين الألمان بالسفر للدول ذات الجو الدافئ مثل مصر هذا الشتاء يتأكد لنا إرتفاع أسعار النفط والكهرباء بألمانيا لمستوى قياسي.
ولاحظنا الحرب الباردة والكلامية بين الولايات المتحدة الأميركية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم والمملكة العربية السعودية بسبب النفط في محاولة من الأولى الضغط على الثانية لزيادة الاستخراج وتقليل سعر خام برنت بعد تأثر الاقتصاد الأمريكي بالأزمة لحد أنه أصبح مهدد بالانهيار، جميعها أدلة كافية على وجود أزمة غير مسبوقة تهدد الاقتصاد العالمي وتأثرت بها كل الدول بلا استثناء ويعاني منها العالم كله أشد المعاناة.
على الرغم من ذلك الوضع في مصر مازال مطمئنًا لدرجة معقولة بفضل الجهود الحثيثة للرئيس السيسي في السنوات الماضية المتمثلة في بناء اقتصاد وطني قوي، من خلال عدد من الإجراءات التي شكلت حائط صد لمجابهة هذه الأزمات، لعل أهمها كان الإصلاح الاقتصادي، ورغم قسوته على المواطن لكنه كان بمثابة الدرع الواقي للاقتصاد المصري الآن في ظل هذه الأزمة الطاحنة، كما ساعده على ذلك قيام الدولة بفرض الأمن والإستقرار على كافة ربوع المحروسة، والقضاء على الإرهاب الذي كلف مصر خسائر فادحة من شهداء لأبنائها الأبرار، ومبالغ طائلة في العتاد، وتأثيره السلبي على الاقتصاد، بعد ضرب السياحة في مقتل بسبب هذا الإرهاب الأسود، ومعلوم للجميع أن السوق السياحي هو أكبر مورد من موارد الدولة.
أخيرًا: أيها المصريين لا تنتبهوا لمثل هذه الدعوات التخريبية التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب الشديد كما فعلتم من قبل، فهي تستهدف استكمال مخططات الأعداء من قوى الشر لتنفيذ هدم الدولة المصرية وإفشالها، وضرب الأمن والاستقرار الذي تنعم به مصر الآن، لإحداث فوضى عارمة في الشارع تأكل الأخضر واليابس لتدمير ما تم إنجازه على أرض الواقع، وعليك يا «سيسي» أن تتأكد أن المصريين اصبحوا أكثر وعيًا عن ذي قبل، وراهنت على وعيهم هذا كثيرًا وكسبت رهانك، فكمل في بناء مصر واقتصادها، فمصر جميعها بتناديك وبتقولك كمل جميلك كي تحيا مصر، ودائمًا وأبدًا تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر.