الدكتور أيمن سلامة : متي تنتهي الحرب في أوكرانيا ؟

بدأت المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا وستستغرق كثيرا من الوقت بالنظر إلى مواقفهما المتعارضة تمامًا، وحتي تنجح أية مفاوضات بين المتنازعين و في الحالة الأوكرانية الروسية بين "المتحاربين" من الضروري الاتفاق علي المساحة الوسطية بين المطالبات "السقفية " و التمترس خلف العروض المتشددة ، فلا غناء عن تقديم بعض التنازلات من أطراف المفاوضات لإنجاحها .

معوقات نجاح المفاوضات الروسية الأوكرانية .

أخفق الوسطاء الدوليون و المتحاربون أنسهم في تهدئة الصراع ، و الحد من العدائيات العسكرية المتبادلة لعوامل كثيرة أهمها :انعدام الثقة بين الأطراف بالتوازي مع تزايد التهديدات ، ووضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب قصوى ، واستُهداف محطات الطاقة النووية الأوكرانية ، وخرق اتفاق إنشاء ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين الأوكرانيين غير مرة .

علي الجانب الروسي ليس من المُؤَمل أن نتوقع تنازلات كبيرة من الرئيس بوتين في هذا الصراع فهو لا ينظر إلي ضرورة اسقاط " كييف " حتي يبدي الجانب الاوكراني أقصي قدر من التنازلات وحسب، ولكنه في ذات الوقت يخشي علي نظامه السياسي في " موسكو " حالما أخفقت القوات الروسية في تحقيق الغايات السياسية من " العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا ".

يُعد أيضا سعار العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا الاتحادية وهي العقوبات غير المسبوقة في التاريخين الحديث والسحيق مدعاة لانتقام الدب الروسي في الغابة الأوكرانية، والتشدد النسبي للمفاوض الروسي علي طاولة المفاوضات.

لا تقتصر الأحجار العثرة التي تعرقل نجاح ثمة تسوية بين المتحاربين علي حجر واحد، حيث تثور مسائل أخري من بيتها وضع شبه جزيرة القرم المحتلة من قبل روسيا وشرق أوكرانيا، وكذلك الأمر بالنسبة للمطالب الروسية، التي تكررت في خطابات بشأن "النزع الكامل للسلاح الأوكراني " والتطهير السياسي .

هل أضحت فرص السلام سانحة بين العدوين؟

يمكن الزعم بأن أي سلام دائم بين روسيا و أوكرانيا يعتمد في المقام الأول على اقتناع الكرملين بعدم قدرته على تحقيق النصر الكاسح في ساحة الحرب لا المعركة، وهنا فالحرب تضمنت معارك عسكرية وسياسية واقتصادية ودبلوماسية وقانونية وقضائية، ولا يمكن الجزم بقدرة الدب "بمفرده" علي القتال في كافة الجبهات المختلفة.

في المقابل تُدرك كييف أن عجز الدب الروسي عن الحسم السريع للدب الروسي في خطف انتصار كاسح رام إليه في الأيام الأولي من " عمليته العسكرية الخاصة " فسيطلق الدب الروسي العنان لكل قوته النارية التي لم يستهلك معظمها حتي الآن ،وهنا فعامل الوقت مداهم في هذا الشأن ، مما يُفضي لضغوط علي الطرفين في مجال تعلية سقف التنازلات المتبادلة .

يدرك الطرفان أن لطالما استُنزف الوقت فالرهان لن يكون في صالح الدب الروسي الذي أبدي عددا من التنازلات الصريحة في الآونة الأخيرة و لم يعد يتمترس خلف الكومة الضخمة من المطالب القاسية علي أوكرانيا ، كما أدى دفاع أوكرانيا القوي عن مدن رئيسية مثل خاركيف وكييف ، والضغط الاقتصادي للعقوبات الغربية إلى تخفيف روسيا لبعض مطالبها الأكثر تشدداً، بما في ذلك الإشارات إلى أنها ستسعى إلى تغيير النظام في أوكرانيا .

هل ستقبل أوكرانيا الحياد المسلح ؟

أشارت العديد من المصادر الإعلامية إلي مسودة وثيقة يجري التفاوض علي إبرامها تتضمن إعلان أوكراني عن "الحياد" المسلح و تضمين ذلك في الدستور الأوكراني كما حدث تماما بخصوص حياد النمسا عامي 1955و 1956، و في المقابل لا تعارض أوكرانيا معارضة كلية للعرض الروسي ، لكنها تصر علي وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية وضمانات دولية أمنية ملزمة قانونا تمنع تكرار سيناريو فبراير 2022.

بالرغم من كل ما سبق فأوكرانيا تنظر نظرة براجماتية واستراتيجية في آنٍ تتمثل في الحاجة الملحة إلي انقاذ الدولة الأوكرانية ، ويعد ذلك الفهم و الرؤية الواسعة أحد أهم العوامل التي يدركها أيضا الدب الروسي والتي تقرب المسافات السحيقة بين موسكو وكييف و التي بعدت كثيرا بعد الحرب الحالية حامية الوطيس في أوكرانيا .