الأحد 24 أغسطس 2025 06:52 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الدكتور أيمن سلامة : العنصرية المقيتة في معاملة اللاجئين غير البيض .

النهار نيوز

بعد أن ضاقت الدنيا بهم علي رحابتها، صاروا من أهل الشقاء والمهانة، وتقطعت بهم الأمصار و الأسباب، ولم يجدوا من يطبطب عليهم، ولاقوا من الجميع العنت و المشقة الكثير الكثير، وكأن المصائب لا تأتي فرادي فبعد ما لاقوه من عنت وظلم تُوجت نوائبهم المتراكمة بمنحهم من قبل بولندا تدابير حماية مؤقتة ريثما تفصل في وضعهم القانوني وفقا للمواثيق الدولية للاجئين فضلا عن التشريعات الوطنية البولندية في ذات الصدد.

فبعد أن خُبرت هذه المجموعة البشرية المعرضة للأخطار (اللاجئون) بأطول أيام وأقسي ظروف، وأسوأ أجواء لصقيع شتاء في أوربا، عانوا من مذلة العوز، وشح الزاد، وقرصة الجوع القاسية فاشتد كربهم و زاد همهم، ولم تخفف عنهم طبطبة السلطات و الشعب البولنديين، فرَوعهم لم يهدأ، وفرائصهم لا زالت ترتعد .

ارتبطت صفوف انتظارهم الطويلة في أوكرانيا التي ناهزت عشرات الأميال بالشقاء وأقسي أجواء الشتاء الذي رحب بهزيم الرعد وومض البرق و انهمار المطر المدرار والسيل الفياض ، ولكن ما فاقم المصائب دوي المدافع و أزيز الطائرات و جثامين الأهل و الأحباب و الرفقاء ، وحين لفظتهم الأقطار و الأصقاع ، تراكمت عليهم النوائب المداهمة ، و حازوا كل الخسائر دون أي مكاسب ، حين تقاطروا وحداناً وزرافات من كل حدب وصوب كي إلي داخل بولندا، لم يهنؤوا بأي دعة فرط الألم.

كانت عيونهم الشاخصة شغوفة مترقبة لقرار السلطات البولندية بمنحهم صفة اللاجئ، وكانوا ينصتون بأذهان مسلوبة و كأنهم يخشون - من الآن- قدرهم المحسوم بالعودة إلي اللامستقر و لا مأمن فديارهم خربة وأمصارهم موحشة و أزير الطائرات في بلدانهم لا زال يخرق الآذان ، فباتت المصيبة أوسع و أسوأ ، فصار صدي وجيب قلوبهم المجلجل يسمع في كل الأرجاء .

كان البيض الأوربيون في بلدان اللجوء يعتبرون طالبي اللجوء من غير البيض شذاذ الآفاق بكل عنصرية مقيتة، ولم يغفر لهؤلاء أنهم هجروا بلدانهم وأهاليهم الذين أعيتهم الحيلة فعجزوا عن الفرار معهم.

وفي خضم هذا المشهد المأساوي تحدث عرب وهنود وأفارقة عن تعرضهم لممارسات عنصرية عند الحدود، وانتشرت تدوينات ومقاطع مصورة لعرب وأفارقة وهنود وغيرهم يقولون إنهم منعوا من العبور وقيل لهم إن "الأولوية للأوكرانيين"، وكأن الحروب والموت والتشريد والتهجير أمر عادي لا يُقلق إذا حدث في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكنه يصبح أمرا غير معقول وغير مقبول إذا حدث في دول أوروبية لمواطنين بشعر أشقر وعيون ملونة.

اللاجئون بحكم الواقع، هم الأشخاص الذين دخلوا أراضي دولة أخرى أثناء عملية تدفق واسعة للسكان من دولتهم الأصلية بسبب نزاع أو كارثة أخرى. إلّا أنهم لا يستطيعون تبرير هروبهم لأسباب تتعلّق بالاضطهاد الشخصي وبالتالي لا يندرجون مباشرة ضمن تعريف اللاجئ.

ورغم أن الأشخاص المذكورين هنا لا يتمتعون بوضع لاجئ رسمي، إلّا أنهم يتمتعون بحدّ أدنى من الضمانات التي تنصّ عليها الاتّفاقيّة الخاصة بوضع اللاجئين. وتهدف هذه الضمانات إلى حماية الحقّ - وتمكين - الأشخاص من الهرب من بلدانهم وطلب اللجوء في بلد آخر دون مواجهة معوقات إدارية يصعب التغلب عليها.

إن حق طلب اللجوء في بلد آخر يعكس هذا الحقّ حقيقة أن للأشخاص الحقّ في مغادرة بلدانهم بأي وسيلة، والدخول إلى أراضي دولة أخرى، حتى ولو كانت بطريقة غير مشروعة. ولا يجوز للدول الأطراف في الاتّفاقيّة فرض عقوبات على اللاجئين بسبب دخولهم أو وجودهم غير الشرعي، في حال قدومهم مباشرة من بلد تتعرض فيه حياتهم أو حريتهم للخطر، ويحق لهم الدخول أو التواجد على أراضي دولة أخرى دون تفويض، ويعتبر هذا النصّ نافذ المفعول طالما قدم اللاجئون أنفسهم دون تأخير للسلطات وقدموا سببًا معقولًا لدخولهم أو وجودهم غير المشروع (المادة 31 من الاتّفاقيّة الخاصة بوضع اللاجئين).

وحقّ تقديم طلب لجوء أمام السلطات المختصة يعني أن على الدول ألا تعيق وصول اللاجئين إلى السلطات الوطنية المختصة، وفي الحقيقة، يجب عليها أن تسهّل وصولهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب السماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمساعدة الأشخاص في إكمال هذه الإجراءات. وعليه، لم يعد اللاجئون يتلقون المساعدة الإدارية من دولتهم الأصلية لإثبات حقوقهم، ولذلك تلزم الدول الأخرى بتوفير الخدمات الإدارية الضرورية، إما بصورة مباشرة أو من خلال سلطة دولية، أي، مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ونتيجة لذلك، تلتزم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو الدولة التي يقيم اللاجئ على أراضيها بتوفير أو ضمان توفير الوثائق أو الشهادات التي تسلّم عادة إلى الأجانب أو من خلال سلطاتهم الوطنية (المادة 25 من الاتّفاقيّة الخاصة بوضع اللاجئين).

أما حقّ اللاجئين في دراسة طلباتهم من قبل السلطات الوطنية المختصة فيعني ضرورة أن تُدرس ملفاتهم وفقًا للأحكام التي تنصّ عليها الاتّفاقيّة الخاصة بوضع اللاجئين ويجب تنفيذ الدراسة تحت إشراف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المادة 8-أ من قانون مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).

يعد الحقّ في عدم الطرد أو الإعادة إلى بلدانهم الأصلية طالما بقي هناك خطر يهدّد سلامتهم (عدم الإعادة القسرية) جوهر اتفاقية حقوق اللاجئين ، فلا يجوز لأي دولة طرد أو إعادة لاجئ بأي طريقة كانت إلى حدود الأراضي التي يمكن أن تتعرّض حياته أو حريته فيها للتهديد بسبب عرقه، أو ديانته، أو جنسيته، أو انتمائه إلى مجموعة اجتماعية معينة أو رأي سياسي (المادة 33 من الاتّفاقيّة الخاصة بوضع اللاجئين). وعليه، يجوز أن يتمتع اللاجئون الذين رفضت طلبات لجوئهم بحق اللجوء المؤقت طالما لا يمكن إعادتهم إلى بلدهم الأصلي بسبب المخاطر التي قد يتعرّضون لها. ويجب أن يستفيدوا من الحدّ الأدنى من مقاييس الحماية المرتبطة .