السبت 23 أغسطس 2025 04:51 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: طارق شوقي.. حان الرحيل

النهار نيوز

منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم وهو يعطي أولوية قصوى لتطوير التعليم في مصر، وسخر كل الإمكانيات المتاحة لتحقيق هذا الحلم العظيم، وجاهد ساعيًا ليصبح حلم الشعب المصري في منظومة تعليمية متكاملة وجديدة تليق به وبطموحاته حقيقة، وتخفف عنه كاهل الأعباء المادية وقلقه تجاه مستقبل الأبناء، وتعمل على بناء الإنسان وتطويره بالشكل الذي يجعله ينافس في أسواق العمل العالمية.

وفي عهده أسندت مسؤولية التربية والتعليم للدكتور طارق شوقي، بالتحديد في بداية عام 2017، وجاء الوزير بمنظومة تعليمية جديدة وفلسفة مختلفة عن سابقية لتطوير التعليم، قد تكون هذه النظرية من الناحية العلمية رائعة؛ لكنها من الناحية العملية لم تحقق المرجو منها، قد تكون وضعت بشكل علمي محترف يجعلها نظريًا تنافس بقوة نظرائها في الدول المتقدمة؛ لكنها من النواحي العملية لم تراعي الجوانب الإجتماعية والبنى التحتية على أرض الواقع، الأمر الذي جعلها من أفشل التجارب التعليمية حتى الآن.

هذه التجربة جعلت الوزير منذ الإعلان عنها وهو في خصومة دائمة مع كل أركان العملية التعليمية في مصر، وانشغل باله بالرد على منتقديه، وخاض حرباً ضروس مع أولياء الأمور والطلبة بسبب إنتقادهم لممارساته وقراراته التي تبدوا خاطئة، وبدلًا من الدخول معهم في حوارات مجتمعية تفضي في نهاية الأمر إلى تطوير التعليم بالشكل الذي يرضي الجميع؛ تشبث برأيه وحارب بكل ما أوتي من قوة من أجل إثبات صحة ما يقوم به، ويؤكد أن قراراته في صالح الطالب والمدرس وولي الأمر.

لكن للأسف يا معالي الوزير أثبتت التجربة أنك أنت المخطئ في كل شئ، في نظرية غير مدروسة من كافة النواحي؛ وطرق مواجهة التحديات التي واجهتها، والأسلوب الفج في إدارة الأزمات التي حلت على قراراتك الغير مدروسة؛ وممارساتك العنجهية تجاه أولياء الأمور وأبنائهم تارة والمدرسين والعاملين في مجال التعليم تارة أخرى، عذرًا تيقن للجميع أنك المخطئ وبلا منازع.

وللموضوعية فإن تجربة طارق شوقي في تطوير التعليم ساندها القاصي والداني بقوة؛ وفلسفة الوزير في التطوير قد تكون من أنجح النظريات العالمية؛ لكن للأسف هو نفسه من فشل هذه التجربة؛ بخوضه هذه الصراعات المتتالية؛ مع عدم الأخذ في الإعتبار لأراء منتقديه، وعدم إحترام الرأي الآخر، وقراراته المتسرعة في الوقت غير المناسب، و زجاله ومشاجراته مع كافة أركان العملية التعليمة، هذا من ناحيته، ومن ناحية أخرى فهناك أسباب عدة تجعله عذرًا يتنحى عن منصبه ويحين رحيله، ولعل من أبرزها سوء إدارته لأزمة عجز المدرسين الذي يقدر بنحو 320 ألف، ومن المتوقع خروج 50 ألف على المعاش فى عام 2025؛ بحسب ما أكده رضا حجازي نائب الوزير لشؤون المعلمين، مع العلم أن هناك ملايين من المدرسين والخريجين يتهافتون على فرصة عمل.

رحيل وزير التربية والتعليم أصبح مطلب شعبي، فالأزمات المتلاحقة التي تواجهها الوزارة، والإنتقادات الواسعة لامتحانات الثانوية العامة 2021، والتي تمت بشكل ورقي عكس ما كان يتم الترويج له من أن الامتحانات سوف تعقد أونلاين عبر أجهزة التابلت، تلك الأسباب كفيله وحدها برحيل طارق شوقي.

وفي واحدة من أبرز الأسباب التي تجعله يرحل عن منصبه، هي التراجع عن تنفيذ مشروعه المعروف بالثانوية التراكمية، في إنتصار تاريخي من مجلس الشيوخ لأولياء الأمور تم الرفض بأغلبية المجلس لمشروع القانون الذي تقدمت به وزارة التربية والتعليم، مذكرة رفض مشروع القانون المعروف بمواد الثانوية التراكمية دفعت الحكومة إلى سحب مشروع القانون وعدم إرساله إلى مجلس النواب، لتعود الأمور إلى المربع صفر في ذلك الاتجاه.

وأعقب ذلك تراجعًا كبيرًا عن إستخدام أجهزة التابلت في امتحانات الثانوية العامة، والعودة إلى الامتحانات بصورة ورقية خوفًا من أزمات التابلت وسيستم الإمتحانات، وبدلًا من طباعة كراسة امتحان واحدة كما كان سابقًا، اضطرت الوزارة إلى طباعة كراسة أسئلة بجانب طباعة أوراق «بابل شيت» يجيب فيها الطالب ويسلم الاثنتين وهو ما اعتبر تكلفة إضافية على تكلفة امتحانات الثانوية العامة الفعلية بجانب كاميرات المراقبة التي تم تركيبها في لجان سير الامتحان، ومن قبل ما تم إنفاقه على أجهزة التابلت.

ومن الأسباب القوية التي تجعل رحيل الدكتور طارق شوقي أمر حتمي هو غياب الإستراتيجية المكتوبة لمنظومة التعليم الجديدة، وعدم وجود برامج تنفيذية واضحة في هذا الشأن، فالوزير قضى أكثر من 4 سنوات داخل وزارة التربية والتعليم وإلى الآن لم يعلن خطة مكتوبة ومحددة المعالم، ويكون بها برامج تنفيذية توضح آليات تنفيذ نظام التعليم الجديد الذي يسعى إليه، وخلال السنوات الماضية مرت الوزارة بمنعطفات كثيرة جدا تسببت في تغيير العديد من الأهداف التي أعلن عنها وزير التعليم من قبل، ومن ذلك؛ التراجع عن عقد 12 امتحانًا لطلاب الثانوية العامة ليتم اختيار درجات أعلى 3 امتحانات فيها، لتعود الأمور إلى امتحانات الفصلين الدراسيين في الصفين الأول والثاني الثانوي، وامتحان واحد في نهاية العام للصف الثالث الثانوي.

أيضاً فشلت وزارة التربية والتعليم خلال تلك السنوات من تحقيق وعود متعة التعلم، وزادت الضغوط والأعباء على أولياء الأمور والطلاب، الأمر الذي أدى إلى انتقادات واسعة من أولياء أمور وخبراء في التربية للسياسات التعليمية المتبعة، وجميعها أسباب هامة ومؤكدة تجعل رحيله ضرورة ملحة.

ومع إستمرار أزمة إرتفاع الكثافات في فصول المدارس الحكومية بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي يتطلب تدخلًا سريعًا من أجل تقليل حجم الكثافات في الفصول بالتوسع في خريطة المباني المدرسية، بدلًا من تركيز كل الجهود المالية في الوزارة للإنفاق على منظومة التعليم الجديدة الغير مجدية، ولاحظنا ما حدث بمدرسة في الخانكة بداية هذا العام الدراسي، كما نجد بمدارس عدة وصول عدد الطلاب لأكثر من 80 طالب في الفصل الواحد، وبحسب ما كشف عنه رضا حجازى، نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون المعلمين، عن وجود عجز في الفصول الدراسية يصل إلى 250 ألف فصل، فكيف لهذا الوزير البقاء في منصبه؟.

الدروس الخصوصية واحدة أيضًا من آفات التعليم المصري والتي وعد وزير التعليم الحالي بالقضاء عليها؛ ولكن انقضت 4 سنوات وأكثر على توليه المسؤولية وما زالت قضية الدروس الخصوصية بارزة وفي صدارة المشكلات التي يعاني منها التعليم المصري، وخلال السنوات الماضية زادت قيمة الدروس الخصوصية الأمر الذي يشكل عبئا إضافيًا على أولياء الأمور، ولم تتمكن الوزارة من مواجهة مراكز الدروس الخصوصية ومنعها.

وغيرها وغيرها من الأسباب المتعددة لفشل إدارة الوزير لأهم وزارة في الحكومة، الأمر الذي جعل هناك حالة من الغضب الشديد تحت قبة البرلمان تسبب بها الدكتور طارق شوقي، فضلاً عن إعلانه عدم حضوره لعدد من الجلسات أمام المجلس، الأمر الذي زاد من حدة الغضب بين النواب والوزير، وكان أخرها جلسة قد تقرر استدعائه فيها هذا الإسبوع لمناقشة مشكلات التعليم، والمناهج الجديدة، وقدم ضده أكثر من 68 طلب إحاطة بسبب سياساته الغير مريضة والتي أضرت بالتعليم المصري وزادت من الأعباء على كاهل المواطنين.

حالة الغضب هذه لم تتوقف عند حد البرلمان بل وصلت لحالة الإنفجار وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار يستنكرون فيها غياب الوزير للمرة الثانية على التوالي عن حضور جلسة استجواب له في مجلس النواب، واعتذر سابقًا عندما تقدم أحد النواب بطلب إحاطة بخصوص مشاكل تواجه طلبة التربية والتعليم، الأمر الذي جعل نواب البرلمان يطالبون الدكتور طارق شوقي بتقديم استقالته طالما لا يمكنه التفرغ للرد على تساؤلات النواب، الخاصة بأزمات اعتبروها كارثية داخل أروقة وزارة التربية والتعليم، وعدم الإهتمام بما يبدى من قبل أعضاء المجلس في ذلك الشأن، وطلب الإستقالة إعتبروه ضرورة حتمية خاصةً في ظل تساؤل الشارع عن سبب أغلب الأزمات التي تلاحق وزارة التربية والتعليم، والتي يتهرب الوزير من الرد عليها، بتقديم أعذار عدة.

تقصير طارق شوقي في إدارة أزمات الوزارة وتخبطه في القرارات، وفشله في التطوير، وتراجع ترتيب مصر الدولي في جودة التعليم، وأصبحت خارج التصنيف العالمي بسببه، جميعها أسباب تجعلنا نقول له حان الآن وقت الرحيل.

الكاتب الصحفي ياسر حمدي ياسر حمدي يكتب الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم التغيير الوزاري الجديد وزارة التربية والتعليم رحيل طارق شوقي الثانوية العامة عجز المدرسين مشكلة عجز المدرسين