السبت 23 أغسطس 2025 07:51 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

خالد سعد زغلول يكتب: العلاقات الدولية ومحاربة الإرهاب طريق ماكرون للاحتفاظ بعرش الإليزيه

النهار نيوز

أنهت فرنسا الجمعة الماضية، عمليّات إجلاء الأفغان المهدّدين من جانب حركة «طالبان»، من كابل إلى باريس، على ما أعلن وزيرا الجيوش والدفاع الفرنسيان. وغردت وزيرة الجيوش فلورنس بارلي على «تويتر» أنّ «عمليّة أباجان التي بدأت في 15 أغسطس بناء على طلب رئيس الجمهوريّة انتهت مساء اليوم». وأضافت أنّ الجيش الفرنسي نقل إلى برّ الأمان «نحو ثلاثة آلاف شخص، بينهم أكثر من 2600 أفغاني».
وقالت بارلي، ووزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان، في بيان مشترك إنّه كان لا بُدّ من وقف هذا الجسر الجوّي، لأنّ «الظروف الأمنيّة لم تعد مستوفاة في المطار» في كابل بسبب «الانسحاب السريع للقوّات الأميركيّة» التي ستغادر أفغانستان في 31 أغسطس. وأضافا أنّ «فريق السفارة الفرنسيّة في كابل توجّه إلى أبوظبي قبل العودة إلى فرنسا»، موجّهَين الشكر لـ«الدبلوماسيين والجنود والشرطة وجميع أجهزة الدولة»، الذين عملوا «بلا هوادة» للسماح بعمليّات الإجلاء هذه إلى باريس عبر أبوظبي.
في الواقع، لقد سبقت فرنسا العالم في إجلاء الأفغان العاملين في سفارتها والمنظمات الفرنسية الأخرى وعائلاتهم وذلك في مايو أي قبل أشهر من سقوط كابول في أيدي طالبان، فهل كانت المخابرات الفرنسية على علم بشاشة الجيش الأفغاني وتوقعت هذا السقوط الذي فاجأ العالم؟
قال مسؤولون في وزارة الدفاع الفرنسية أن 623 شخصا نُقلوا جوا إلى فرنسا في الأسابيع التي سبقت انهيار الجيش الأفغاني وعودة طالبان إلى السلطة. وتأتي عمليات الإجلاء هذه بالإضافة إلى 800 أفغاني وأقارب عملوا مع القوات المسلحة الفرنسية وتم نقلهم بالفعل بعد أن أنهت باريس العمليات العسكرية في أفغانستان في عام 2014. كما طلبت فرنسا مرارا من مواطنيها المغادرة قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
في ذلك الوقت، أثار القرار الفرنسي احتجاجات من المنظمات غير الحكومية وبعض حلفاء فرنسا الأوروبيين. كانوا قلقين بشأن هذا التخلي الواضح عن أفغانستان واتهموا الفرنسيين بالتشاؤم المفرط بشأن التأثير الأمني لإعلان الرئيس جو بايدن عن انسحاب عسكري أمريكي كامل بحلول سبتمبر.
تباين التوقع الفرنسي بشأن الانهيار الوشيك لكابول مع الافتقار إلى استعداد أمريكا أثار تكهنات بأن الجواسيس الفرنسيين يعرفون ما لا يعرفه الأمريكيون.
لكن مسؤولين بارزين في باريس يقولون إنهم شاركوا المعلومات الاستخباراتية نفسها وكان الاختلاف في تقييمها بين باريس وواشنطن.
كان الفرنسيون قادرون على اتخاذ وجهة نظر أكثر منطقية واستخلاص استنتاجات واضحة حول تداعيات الانسحاب الأمريكي، بينما أعمى الأمريكيين ارتباطهم الطويل بالقوات المسلحة الأفغانية، واستثماراتهم التي تزيد على تريليون دولار في البلاد، الطبيعة المعقدة لأنظمتهم الاستخباراتية.
فيما قال مسؤول فرنسي كبير: "أريد أن أشيد بمحللينا، لأن لدينا نفس المعلومات الموجودة لدى الآخرين.. لقد كان التحليل في الواقع هو المختلف، بمعنى أنه بمجرد أن قرر الأمريكيون المغادرة، تصورنا أسوأ سيناريو فكنا محقين".
قال جان ماري جينو، خبير حفظ السلام الذي يرأس برنامجا لحل النزاعات في جامعة كولومبيا في نيويورك: "أعتقد أنك عندما تكون بعيدا عن الأحداث اليومية، تكون أحيانا أكثر موضوعية. الأمريكيون كانوا حقا في خضم ذلك مع القوات الأفغانية".
لم يكن التقليل من شأن طالبان هو أكبر فشل استخباراتي أمريكي، ولكن "التفكير بالتمني" في المبالغة في تقدير قوة وتماسك وولاء الجيش الأفغاني الذي اعتمد عليه بايدن للسيطرة على المدن الأفغانية مع انسحاب القوات الأمريكية.
لم تقبل أمريكا فكرة الهجوم النهائي المذهل لطالبان في أفغانستان. كانت لديهم هذه النظرة المشوهة تماما عن إحكام الجيش الأفغاني قبضته على الأراضي... في الوقت الذي كانوا ينشقون فيه لينضموا إلى طالبان وفق ما لاحظ الفرنسيبن.
وقالت إن الجيش الأفغاني "لم يكن يعطي المعلومات الصحيحة عن القوات الأفغانية" ولكن الأمريكيين "أرادوا تصديقهم بعد أن استثمروا الكثير... لقد رأينا هذا في غير هذا الموضع".
أحد الدروس المستفادة من إخفاقات أمريكا السابقة، سواء في أفغانستان أو إيران أو العراق أو في أي مكان آخر، هو بالفعل أن المزيد من القدرات الاستخباراتية لا يعني بالضرورة معلومات استخباراتية أفضل فقانونهم المعاكس لأوجه القصور في أمريكا هو أنه كلما زاد الاستثمار الاستخباري في الشرق الأوسط، كلما زاد الفشل.
لم تكن تحتل فرنسا دائما المقدمة عندما يتعلق الأمر بالتحليل الاستخباراتي، وقد كافحت للتصالح مع فشل حربها اللامتناهية ضد الإسلاميين الذين يشنون حربا في منطقة الساحل جنوب الصحراء - وهو صراع غالبا ما يُطلق عليه "أفغانستان فرنسا" وهو ما يثير استياء مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون لكن يبدو أنهم في أفغانستان ضربت المخابرات الفرنسية جميع مخابرات أوروبا وأمريكا على السواء.
لقد كان استيلاء طالبان الأخير على كابول في منتصف أغسطس مذهلا حتى بالنسبة للفرنسيين الذين كانت نظرتهم نافذة بشكل أكبر. وكدول أخرى مثل ألمانيا والهند، اعتمدت فرنسا على السيطرة العسكرية الأمريكية على مطار المدينة حيث أخرجت 3000 مواطن فرنسي آخر ومتعاونين أفغانا معرضين للخطر بحلول الوقت الذي عاد فيه السفير ديفيد مارتينون وآخر جنود القوات الخاصة الفرنسية إلى فرنسا يوم الأحد الماضي بعدما توقعوا التقدم النهائي في كابول.
إستراتيجية ماكرون الدبلوماسية
شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت والأحد الماضيين في "قمة بغداد" الإقليمية، إذ أكد تمديد مهمة الوجود العسكري الفرنسي في بلاد الرافدين، قبل أن يواصل جولته بزيارة الموصل وأربيل. وفيما تبدو خطة منه للتركيز على النشاط الدبلوماسي قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية، تحدث ماكرون إلى بعض وسائل الإعلام الفرنسية عن سياسته حيال عودة طالبان للحكم في أفغانستان وعن مواجهة الحركات الجهادية في منطقة الساحل.
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل في "قمة بغداد" الإقليمية، تمديد مهمة الوجود العسكري الفرنسي في بلاد الرافدين، قبل أن يواصل جولته بزيارة الموصل وأربيل. وفيما تبدو خطة منه للتركيز على النشاط الدبلوماسي قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية، تحدث ماكرون إلى بعض وسائل الإعلام الفرنسية عن سياسته حيال عودة طالبان للحكم في أفغانستان وعن مواجهة الحركات الجهادية في منطقة الساحل.
حرص ماكرون ليتواجد بنشاط دبلوماسي مكثف على عدة صعد دولية آخرها مشاركته في "قمة بغداد" الإقليمية إلى جانب نظيره المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني وأمير قطر ورؤساء وزراء الكويت والإمارات ووزراء خارجية تركيا وإيران والسعودية بعدما تعذر حضور ولي عهد المملكة السعودية محمد بن سلمان لورود معلومات أمنية عن استهدافه من قبل الميليشيات الإيرانية وكذلك عناصر داعش وبالتالي لم يحضر كل من رئيسي إيران وتركيا.
لقد تواصلت زيارة ماكرون في العراق بزيارة إلى مدينة الموصل ولعاصمة إقليم كردستان العراق أربيل، كما أجرى أيضا حوارات مع قناة "tf1" وصحيفة (جريدة الأحد الفرنسية) الأسبوعية، حيث تحدث عن استراتيجيته في أفغانستان عقب عودة حركة طالبان إلى الحكم وحيال العمليات الجهادية المستمرة في منطقة الساحل (مالي، تشاد، النيجر، بوركينا فاسو...).
إن لهذا النشاط الدبلوماسي امتدادات في السياسة الداخلية الفرنسية وذلك قبل أقل عام من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل 2022. فرغبة ماكرون هي تعزيز صورته كرئيس دولة يهتم بقضايا الساعة التي تثير اهتمام الرأي العام العالمي (والفرنسي في الوقت ذاته) وبمقدمتها الوضع في أفغانستان مع انهيار النظام وخروج القوات الأمريكية من الباب الضيق إثر سيطرة طالبان الفائقة على كل شبر في "مقبرة الغزاة". أراد رئيس فرنسا النجاح في هذه القضايا الدبلوماسية والسياسية.
ولتقييم نشاط الرئيس إيمانويل ماكرون الدبلوماسي المكثف خلال نهاية الأسبوع الماضي، والذي تميز بانتقاله للعراق وتصريحاته الإعلامية حول أفغانستان ومنطقة الساحل وتفسير قراره تمديد الوجود العسكري الفرنسي بالعراق ورفضه مفهوم "ستيت بيلدينج" الأمريكي (وهو مسار يهدف لدعم بناء دولة ما، مثلا في أفغانستان قبل عودة طالبان) نعرض ما يلي:-
في الواقع، كانت رسالة ماكرون بزيارته العراقية التأكيد على مبادئه في مجال نشاطه الدولي وإبراز الوجود الفرنسي (في الساحة الدولية)، وفي الوقت ذاته للتذكير بأن فرنسا تضطلع بدور في الشرق الأوسط. وهذا الدور يختلف عن دور الولايات المتحدة، إذ إنه مرسخ في فكر وسياسة أبرز رؤساء الجمهورية الخامسة، شارل ديغول [وهو مؤسسها، في عام 1958].
وقوام هذه السياسة أن فرنسا دائما تحتفظ بنوع من المرونة والاستقلالية إزاء الولايات المتحدة وضمن حلفاءها الغربيين. وبالتالي فإنها تأمل بجلب دول أوروبية أخرى لصياغة هذا المفهوم كي يصبح ما تسميه باريس "الاستقلالية الاستراتيجية". لكن الحلم يصدم بالواقع إذ إنه مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض (في يناير الماضي)، بات العديد من الأوروبيين راضين بموقعهم كشركاء صغار للأمريكيين، وهو الأمر الذي ترفضه فرنسا قطعا.
وفي الواقع لقد أثبت الرئيس ماكرون أنه على حق عندما رفض مبدأ "ستيت بيلدينج" من الخارج. فالكثير من الباحثين والمختصين الفرنسيين في هذا الشأن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدول الأفريقية، يعرفون جيدا أن ثمة عدة مقاييس وعوامل اجتماعية تحدد ما إذا كانت دولة ما تتمتع بالاستقرار أم لا.
فلا جدوى من محاولة فرض الديمقراطية الغربية في بلد ما، مثلما حدث في العراق في 2003 عندما حاول المحافظون الجدد فرض نموذجنا الغربي الديمقراطي الليبرالي لأجل غرس نظام ديمقراطي في البلاد لخلافة نظام صدام حسين. ونحن نشاهد انعكاسات الفشل الأمريكي بالعراق حتى يومنا هذا.
على ضوء الفشل الأمريكي بأفغانستان.
لكن ما هي الدروس والعبر التي على فرنسا استخلاصها بشأن حربها ضد الإرهاب بمنقطة الساحل؟
إن الأحداث في أفغانستان تحظى باهتمام كبير من وزارة الخارجية الفرنسية. الدرس الذي يجب استخلاصه من هذا الملف بالنسبة لإيمانويل ماكرون وللدبلوماسيين الفرنسيين هو أن سحب القوات المتمركزة في بلاد أجنبية تستدعي تحضيرا جيدا مسبقا لا يستثني أي جانب خلافا لما رأيناه بالنسبة للانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وبخصوص الحرب ضد الإرهاب في الخارج، فنحن نعلم أن قوات معارضة قادرة على تولي السلطة في بلاد ما فور مغادرة القوات الأجنبية الموجودة فيه. وهذا ما يحدث في أفغانستان. فمغادرة مالي مثلا سيعرض فرنسا لخطر فسح المجال أمام جماعات معارضة لمصالحها وتحول النظام السياسي المالي نحو شفافية أكبر. وبالتالي قد تجد نفسها في ورطة إذ تبقى فيها لضمان موازين القوة، وهذا أمر معقد لأنه من الصعب تحقيق أي مكاسب. وستضطر ساعتها لإبقاء قواتها العسكرية، ما يعني الدخول في مسارات طويلة ومكلفة، ماليا وسياسيا مثلما حصل للولايات المتحدة في أفغانستان.
لكن لا ننسى أنه عندما يؤكد رئيس دولة عظمى مثل استمرار وجود قوات بلاده في دولة أجنبية، وهو ما فعله ماكرون في العراق، فرسالته ليست موجهة للدولة المعنية بالأمر فحسب بل موجهة أيضا للرأي العالم المحلي الفرنسي.
لقد خاطب إيمانويل ماكرون الفرنسيين في منتصف الصيف للحديث عن استراتيجيته في أفغانستان، وها هو يشدد على السياسية الخارجية عشية الدخول السياسي المحلي.
مضمون استراتيجية الرئيس الفرنسي
نرى في هذا النشاط الدبلوماسي، استمرارية كبيرة للممارسة السياسية لرؤساء الجمهورية الخامسة أي أن في فترة ما تبرز الدبلوماسية في نشاطهم. مع اقتراب نهاية ولاية إيمانويل ماكرون، سيدخل في حملة انتخابية رئاسية تنذر بأن يشتد فيها النقاش والخلاف حول قضايا السياسة الخارجية والإرهاب. وعندما يشدد ماكرون على أن فرنسا ستحتوي الإرهاب من خلال سياسة خارجية معينة وحضور عسكري على الأرض، فهو يسعى للقول إنه الضامن لأمن الفرنسيين. نستطيع أن نقول بأنه بدأ سريعاً حملته.
فمن بين الأخطاء الشائعة، الجزم بأن السياسة الخارجية لا تلعب أي دور في المنافسات الانتخابية، هذا خطأ، إذ هناك تشابك كبير بين الداخل والخارج لدرجة أن السياسة الخارجية تؤثر في نظرة الناخبين إلى نشاط المرشحين.
فوسط تلك المخاوف الفرنسية والأوروبية والأمريكية من المشهد السياسي الأفغاني الجديد القديم، شدد الرئيس الفرنسي، أمس الاثنين، على ضرورة ألا تعود أفغانستان معقلاً للإرهاب، معلناً وصول طائرتين فرنسيتين تابعتين للقوات الخاصة إلى أفغانستان خلال ساعات.
كما أكد في كلمة متلفزة، امس، خصصها للتطورات في أفغانستان، على أن بلاده ستواجه العنف في أفغانستان بكل الطرق، لافتاً إلى حقوق الشعب الأفغاني بالحياة في أمن وسلام.
وأضاف أنه يجب وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين في أفغانستان، وضمان عودة الاستقرار في أسرع وقت.
كذلك تابع أنه على الجميع دعم الأفغانيين، الذين ساعدوا قوات الدولية، مشدداً على أن الوضع الحالي في أفغانستان يؤثر على فرنسا وأوروبا والعالم.
قام الرئيس إيمانويل ماكرون بنشاط دبلوماسي مكثف ترجمته مشاركته في "قمة بغداد" الإقليمية إلى جانب نظيره المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني وأمير قطر ورؤساء وزراء الكويت والإمارات ووزراء خارجية تركيا وإيران والسعودية بعدما تعذر حضور ولي عهد المملكة السعودية محمد بن سلمان لورود معلومات أمنية عن استهدافه من قبل الميليشيات الإيرانية وكذلك عناصر داعش وبالتالي لم يحضر كل من رئيسي إيران وتركيا.
لقد تواصلت زيارة ماكرون في العراق بزيارة إلى مدينة الموصل ولعاصمة إقليم كردستان العراق أربيل، كما أجرى أيضا حوارات مع قناة "tf1" وصحيفة (جريدة الأحد الفرنسية) الأسبوعية، حيث تحدث عن استراتيجيته في أفغانستان عقب عودة حركة طالبان إلى الحكم وحيال العمليات الجهادية المستمرة في منطقة الساحل (مالي، تشاد، النيجر، بوركينا فاسو...).
وما من شك أن هذا النشاط الدبلوماسي له امتدادات في السياسة الداخلية الفرنسية وذلك قبل أقل عام من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل 2022. فرغبة ماكرون هي تعزيز صورته كرئيس دولة يهتم بقضايا الساعة التي تثير اهتمام الرأي العام العالمي (والفرنسي في الوقت ذاته) وبمقدمتها الوضع في أفغانستان مع انهيار النظام وخروج القوات الأمريكية من الباب الضيق إثر سيطرة طالبان الفائقة على كل شبر في "مقبرة الغزاة". أراد رئيس فرنسا النجاح في هذه القضايا الدبلوماسية والسياسية.
ولتقييم نشاط الرئيس إيمانويل ماكرون الدبلوماسي المكثف خلال نهاية الأسبوع الماضي، والذي تميز بانتقاله للعراق وتصريحاته الإعلامية حول أفغانستان ومنطقة الساحل وتفسير قراره تمديد الوجود العسكري الفرنسي بالعراق ورفضه مفهوم "ستيت بيلدينج" الأمريكي (وهو مسار يهدف لدعم بناء دولة ما، مثلا في أفغانستان قبل عودة طالبان) نعرض ما يلي:-
في الواقع، كانت رسالة إيمانويل ماكرون بزيارته إلى العراق التأكيد على مبادئه في مجال نشاطه الدولي وإبراز الوجود الفرنسي (في الساحة الدولية)، وفي الوقت ذاته للتذكير بأن فرنسا تضطلع بدور في الشرق الأوسط. وهذا الدور يختلف عن دور الولايات المتحدة، إذ إنه مرسخ في فكر وسياسة أبرز رؤساء الجمهورية الخامسة، شارل ديغول [وهو مؤسسها، في عام 1958].
وقوام هذه السياسة أن فرنسا دائما تحتفظ بنوع من المرونة والاستقلالية إزاء الولايات المتحدة وضمن حلفاءها الغربيين. وبالتالي فإنها تأمل بجلب دول أوروبية أخرى لصياغة هذا المفهوم كي يصبح ما تسميه باريس "الاستقلالية الاستراتيجية". لكن الحلم يصدم بالواقع إذ إنه مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض (في يناير الماضي)، بات العديد من الأوروبيين راضين بموقعهم كشركاء صغار للأمريكيين، وهو الأمر الذي ترفضه فرنسا قطعا.
وفي الواقع لقد أثبت الرئيس ماكرون أنه على حق عندما رفض مبدأ "ستيت بيلدينج" من الخارج. فالكثير من الباحثين والمختصين الفرنسيين في هذا الشأن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالدول الأفريقية، يعرفون جيدا أن ثمة عدة مقاييس وعوامل اجتماعية تحدد ما إذا كانت دولة ما تتمتع بالاستقرار أم لا.
فلا جدوى من محاولة فرض الديمقراطية الغربية في بلد ما، مثلما حدث في العراق في 2003 عندما حاول المحافظون الجدد فرض نموذجنا الغربي الديمقراطي الليبرالي لأجل غرس نظام ديمقراطي في البلاد لخلافة نظام صدام حسين. ونحن نشاهد انعكاسات الفشل الأمريكي بالعراق حتى يومنا هذا.
على ضوء الفشل الأمريكي بأفغانستان.
ما هي الدروس والعبر التي على فرنسا استخلاصها بشأن حربها ضد الإرهاب بمنقطة الساحل؟
إن الأحداث في أفغانستان تحظى باهتمام كبير من وزارة الخارجية الفرنسية. الدرس الذي يجب استخلاصه من هذا الملف بالنسبة لإيمانويل ماكرون وللدبلوماسيين الفرنسيين هو أن سحب القوات المتمركزة في بلاد أجنبية تستدعي تحضيرا جيدا مسبقا لا يستثني أي جانب خلافا لما رأيناه بالنسبة للانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وبخصوص الحرب ضد الإرهاب في الخارج، فنحن نعلم أن قوات معارضة قادرة على تولي السلطة في بلاد ما فور مغادرة القوات الأجنبية الموجودة فيه. وهذا ما يحدث في أفغانستان. فمغادرة مالي مثلا سيعرض فرنسا لخطر فسح المجال أمام جماعات معارضة لمصالحها وتحول النظام السياسي المالي نحو شفافية أكبر. وبالتالي قد تجد نفسها في ورطة إذ تبقى فيها لضمان موازين القوة، وهذا أمر معقد لأنه من الصعب تحقيق أي مكاسب. وستضطر ساعتها لإبقاء قواتها العسكرية، ما يعني الدخول في مسارات طويلة ومكلفة، ماليا وسياسيا مثلما حصل للولايات المتحدة في أفغانستان.
لكن لا ننسى أنه عندما يؤكد رئيس دولة عظمى مثل استمرار وجود قوات بلاده في دولة أجنبية، وهو ما فعله ماكرون في العراق، فرسالته ليست موجهة للدولة المعنية بالأمر فحسب بل موجهة أيضا للرأي العالم المحلي الفرنسي.
لقد خاطب إيمانويل ماكرون الفرنسيين في منتصف الصيف للحديث عن استراتيجيته في أفغانستان، وها هو يشدد على السياسية الخارجية عشية الدخول السياسي المحلي.
مضمون استراتيجية الرئيس الفرنسي
نرى في هذا النشاط الدبلوماسي، استمرارية كبيرة للممارسة السياسية لرؤساء الجمهورية الخامسة أي أن في فترة ما تبرز الدبلوماسية في نشاطهم. مع اقتراب نهاية ولاية إيمانويل ماكرون، سيدخل في حملة انتخابية رئاسية تنذر بأن يشتد فيها النقاش والخلاف حول قضايا السياسة الخارجية والإرهاب. وعندما يشدد ماكرون على أن فرنسا ستحتوي الإرهاب من خلال سياسة خارجية معينة وحضور عسكري على الأرض، فهو يسعى للقول إنه الضامن لأمن الفرنسيين. نستطيع أن نقول بأنه بدأ سريعاً حملته.
فمن بين الأخطاء الشائعة، الجزم بأن السياسة الخارجية لا تلعب أي دور في المنافسات الانتخابية، هذا خطأ، إذ هناك تشابك كبير بين الداخل والخارج لدرجة أن السياسة الخارجية تؤثر في نظرة الناخبين إلى نشاط المرشحين.
فوسط تلك المخاوف الفرنسية والأوروبية والأمريكية من المشهد السياسي الأفغاني الجديد القديم، شدد الرئيس الفرنسي، أمس الاثنين، على ضرورة ألا تعود أفغانستان معقلاً للإرهاب، معلناً وصول طائرتين فرنسيتين تابعتين للقوات الخاصة إلى أفغانستان خلال ساعات.
كما أكد في كلمة متلفزة، أمس، خصصها للتطورات في أفغانستان، على أن بلاده ستواجه العنف في أفغانستان بكل الطرق، لافتاً إلى حقوق الشعب الأفغاني بالحياة في أمن وسلام.
وأضاف أنه يجب وقف الانتهاكات التي تتم ضد المدنيين في أفغانستان، وضمان عودة الاستقرار في أسرع وقت.
كذلك تابع أنه على الجميع دعم الأفغانيين، الذين ساعدوا قوات الدولية، مشدداً على أن الوضع الحالي في أفغانستان يؤثر على فرنسا وأوروبا والعالم.