السبت 23 أغسطس 2025 04:49 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

بالتسعين.

طلال العامري يكتب: بلا وثيقة.. الإعلان عن براءة أبو رغال وابن العلقمي؟!

النهار نيوز

يتفق الجميع أن الكمال لله وحده.. هذا الاتفاق يجعلنا نحن بني البشر نحاول ما استطعنا الاقتراب من أقل درجات الكمال وكلاً حسب قدراته وبيئته ومحيطه ومجتمه وبلده.. لذا أصبح الاجتهاد هو سيد مواقفنا (خيراً أو شراً) وما كان خير فهو لله وما كان شر فهو لصاحبه..

يعيب البعض اليوم ما نراه من انفتاح اعلامي وصحفي مترامي الأطراف لا تحدّه حدود أو جغرافيا.. حيث بات بإمكان أي شخص القيام بدور الاعلامي أو الصحفي ولا يميّزه عن غيره سوى تعامله مع المفردات التي يستخدمها ودرجة القبول عند الآخرين..
ولو عدنا إلى الماضي البعيد وحتى القريب وسألنا عن كيفية عمل الصحفي أو الإعلامي لوجدنا لكل وقت طريقة وأدوات..
مثلاً.. الخبر يأتي عن طريقين إما حضور الحدث أو أخذه عن مخبرٍ حضره أو وصله عن طريق ثالثٍ..
لو ذهبنا صوب العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي وبحثنا عن كيفية تداول الأخبار في الصحف التي كانت تصدر في تلك الحقب وما قبلها.. سنجد أن الكثير منها يأتي عن طريق المسافرين الذين يتنقلون هنا وهناك ثم يروون ما لديهم للقريبين منهم حتى يصل إلى الجريدة أو غيرها من أماكن الصحافة ولا ننسى أيضاً دور الإذاعات (راديو) التي كانت تقرّب المسافات البعيدة وكان الشائع عندنا (إنصات) أي إقتباس رغم عدم التأكد من حقيقة ما يتم أخذه.. وكل ما يفعله محرر الخبر هو (نسبه) إلى إنصات لا أكثر..
حين نذهب بعيداً ونغوص في تاريخنا الذي قلت يوماً عنه (كثير منه مزيّف) لأنه مأخوذ عن أشخاص لا نعرف مصداقيتهم كي نحكم عليها بأنفسنا..
الكل يعلم بأن إرادة الحكّام والملوك كانت تتدخّل بكل صغيرة وكبيرة فكيف لا تتدخّل بكتابة التاريخ المتوارث لتبيّض صفحة هذا وتذم بذاك وهو ما حصل مع كثيرين ظلمهم التاريخ ولم نتبيّن حقيقتهم بأنفسنا بل لم يكلّف أحد نفسه للبحث والتقصّي لتبرئة هذين الإسمين اللذين ضربناهما كمثل لا أكثر..!!
قرأت قبل أيام عن أبرهة الأشرم الذي أتهم بأنه كان ينوي هدم الكعبة وأرسل الله عليه وعلى جيشه طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصفٍ مأكول.. هنا نقف عند ثوابت وهو أن الحدث ثابت ولا يمكن التشكيك به لأنه أتانا من رب العالمين الكامل بكل شيء ونقله لنا عن طريق كتاب الله.. ولكن هل كان هو (أبرهة الحبشي) من قاد تلك الحملة؟ لأن لا أحد استطاع أن يجزم بذلك.. هنا نتوقّف، طيب إن كان هناك شكوك حول (أبرهة) الأشرم بأنه لم يكن هو قائد الحملة، فكيف تأكدوا من أبي رغال بأنه الخائن..؟!
هل هناك وثيقة دامغة تثبت ذلك..؟ هل توارثنا الخبر وتناقلناه طيلة تلك السنوات التي مرّت ووصل إلينا بلا أي زيادة أو نقصان.. هل كانت هناك أدوات (متقدمة) للطباعة أو النقل أم اعتماد مبدأ (سمعت ونقل لي وقال لي وحدثني أحدهم) وطبعاً جيل يسلّم لجيل وحتماً هناك (بهارات) أو ذاكرة تضعف أو زمن يتغيّر ولا ننسى نحن العرب بأن لغتنا العربية كانت متنوعة ونقصد لهجاتها.. وأيضاً نضرب مثلاً.. هل تتذكرون قصة الأسرى الذين تم قطع رؤوسهم في زمن رسول الله محمد صل الله عليه وعلى آله وسلم.. حدث ذلك بسبب مفردة تفسّر بلهجة إحدى القبائل بمعنى مغاير وهي (إذهب إلى الأسرى وأدفئهم).. من أصدر الأمر أراد التخفيف عنهم من الجو البارد ولكن المتلقي اعتقد أنه أمر بالقتل فذهب وأشهر سيفه وأطاح برؤوسهم.. وكاد الرجل يعاقب على فعلته حتى فطن أحد الحضور وسأله عن قبيلته وهنا اتضح بأن مفردة (أدفئهم) بحسب ما يعرفه الرجل هي (اقطع رؤوسهم)..
ترى كم من المفردات التي يمكن لها أن نفهمها وهي تعطي معانٍ أخرى..
لازلت من أشد المتابعين للمعلّم الكبير الأستاذ الدكتور (محي الدين توفيق المعلم) أستاذ اللغة العربية في جامعة الموصل والذي تشرفت بالعمل بمعيّته حين ترأس تحرير جريدة الحدباء الموصلية ونقابة الصحفيين فرع الشمال وتخرجت أجيال من تحت يديه.. والرجل لا يحتاج (مدحي) لأنه يكفيه لقب (طه حسين العراق) الذي خلع عليه للمزايا التي يتمتّع بها ورحلته في الحياة التي تشابه ما مرّ به طه حسين مصر..
قلت أنا أقرأ للرجل وأتعلم منه، حيث فاجأني يوماً وأعطانا معنىً مغايراً لمفردة (كذب).. واستشهد بأدلة كثيرة نأخذ أحدها وهو بيت من الشعر لعنترة بن شدّاد..
(كذب) العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٌ
إن كُنْتِ سائلتي غَبوقاً فاذهبي
هذا البيت من قصيدة لعنترة بن شدّاد، وقد استعمل الفعل (كذب) بمعنى آخر غير معناه المعروف وهو ضد الصدق، والمراد بالعتيق التمر اليابس، و(الشَنّ) قدح من الجلد اليابس يُبَرّد فيه الماء كما يُبَرّد بالأواني الفخارية، و (الغَبوق) حليب المساء.
ومن عادة العرب آنذاك أن يحلبوا النوق مرتين في اليوم، الأولى في الصباح الباكر والثانية في آخر النهار، ولهم وجبتان في اليوم، الأولى: تسمى (الصَبوح)، والثانية تسمى (الغَبوق)، وغذاؤهم في الوجبتين لبن النوق مع التمر، ولكن عنترة يعطي لبن المساء لفرسه ويحرم أهله منه لأن الفرس عنده أهم فهو بهذا البيت يحث أهله أن يشربوا الماء البارد مع التمر في المساء بدلاً من اللبن، ويهدد زوجته بالطلاق إذا طلبت منه لبن الغَبوق، وعبارة (فاذهبي) من ألفاظ الطلاق في الجاهلية. فمعنى كذب العتيق: ثبت، أو وجَب وهي عبارة تستعمل للإغراء. ومثل آخر حين استعمل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الفعل كذب بهذا المعنى حين كان يقول للصحابة:
"كذَب عليكم الحَجّ، كذب عليكم العُمرة، كذب عليكم الجهاد، ثلاثة أسفار كذبن عليكم"، يحثهم على الحج والعمرة والجهاد، ويرغّبهم فيها...!!

ناتي إلى ابن العلقمي الذي عرفناه جميعاً من الكتب المتواترة أو ما نقل عبر الإذاعات وشاشات التلفزة وكلها بالمجمل كانت تخضع لرقابة وسياسة (محددة).. فتأثّرت عقولنا بالذي نقل إلينا وأصدرنا أحكامنا من دون رؤية (وثيقة) تدين هذا الرجل الذي قيل بأنه خان الخليفة العباسي الأخير ومن ثم قتله هولاكو..!
هل هذه هي فقط سيرة الرجل أم هذا الذي وصلنا عبر الأجيال..؟
كلنا نعرف مثلاً عن أبي لهب الذي صدرت عقوبته من الله وهي ثابثة لا تتغيّر لأن المخبر بها هو الله سبحانه.. ولكن هل يعلم الكثيرون الميزات الأخرى لهذا الرجل..؟
هل قال أحد بأنه كان الأحنّ على رسول الله حين تقاسم تربيته مع أبيه عبدالمطلب وإن كان يكرهه فعلاً كيف زوّج ابنيه لإبنتي رسول الله.. الخلاف وقع بينهما عقب نزول الرسالة السماوية.. وهنا بدأ التقاطع ولولا أن القرآن الكريم حفظ ما حصل لتم التلاعب بالقصة الحقيقية التي نزلت من أجلها السورة القرآنية..
في كل الأفلام التي صوْرت الحدث كان التركيز على تشويه صورة أبي لهب وجعلها (منفرة) للجميع بينما الحقيقة التي تجدونها عن شكل الرجل مغايرة تماماً عن تلك التي زرعت بالعقول لأنه كان جميلاً وحسن الهندام وفارساً وعطوفاً جداً على رسول الله في صغره وشبابه.. ولكن أن يظهر بتلك الصورة فقط فيه الكثير من التجنّي عليه.. ولولا الوثيقة القرآنية ما كنّا لنعرف فعلته تلك التي سيعاقبه الله عليها ساعة الحساب لأن الله في كتابه الكريم قال (سيصلى) أي لاحقاً والا كان قال (يصلى) أي تنفّذ عقوبته فوراً..!!
نعود للعمل الصحفي والاعلامي الذي يقول عنه البعض بأنه أصبح مهنة من لا مهنة له وإدعاء تواجد الدخلاء وغيرهم..
مع الإيمان والاعتراف بمناهج كليات الإعلام المتواجد في كل بقاع الأرض واعتماد قسم كبير منها على نمطية معيّنة في صنع الصحفي والإعلامي الذي يحترف العمل لاحقاً في بلاط صاحبة الجلالة أو أحد المكاتب الحكومية وغيرها كوظيفة (روتينية)..!!
من الأخطاء الفادحة التي نجدها اليوم هي تجريم من يستخدم مفردة تدل على العمل الصحفي والإعلامي أو أي من أقسام المهنة الأخرى.. لأنه لا ينتسب لنقابة أو مؤسسة أو دائرة كون أدوات الصحفي إن تواجدت ومنها اجادته لفن الكتابة والتصوير وتحرير الأخبار والحصول على الوثائق نكرر (الوثائق) ومن ثم نشرها بطريقة لا يبغي من خلفها سوى الوصول للحقيقة وترك الأمور بعد إثارة القضية للجهات ذات العلاقة لتدقق وتفحص الوثائق والمعلومات وحين تجد أي خرق فهي من تتخذ القرار وليس الصحفي أو (المخبر الصحفي) المطلوب منه هو التعريف عن نفسه وحقيقته دون التخفّي تحت أسماء مستعارة الا للضرورات وهذه يعمل فيها على نطاق المؤسسات الصحفية والإعلامية التي يكون هو معرّف لديها.. وكم من الصحفيين كانوا يكتبون في صحفهم بأسماء مستعارة خشية على أنفسهم أو كي يبقوا يستخدمون عنصر الجذب والاهتمام الذي يحققه الاسم المستعار..!!
قصة أخرى تم تعزيزها بوثيقة وهي ما جرى لفرعون حين أخبرنا الله أنه سيدعه ليكون (آية) وها نحن نرى الآية (الوثيقة) الربانية التي انشغلت بها أغلب وسائل الإعلام..
الحدث الذي فيه وثيقة هو الذي يؤخذ ويعتد به وما عداه ليس أكثر من كلام يمكن ترتيبه ببراعة نعم ويمكن أن يحسب على فنون العمل الصحفي والإعلامي ولكن تبقى الوثيقة هي خير شاهد من أي قول..

نتجه إلى مكان آخر وهو الصورة..
ما فائدة أي خبر من دون صورة..؟
هناك صورة أو مقطع فيديو يقوم أي إنسان غير محترف للعمل الصحفي بنشرها أو نشره تعادل ملايين الكلمات التي يمكن أن يكتب صحفي (محترف أو مخضرم) من أمثالي وغيري.. لذا وبعد الانفتاح الصحفي والإعلامي الكبير ووجود منصّات التواصل الاجتماعي وغيرها أصبحنا كلنا صحفيون وإعلاميون والفرق بيننا أشياء بسيطة نوهنا عنها في سطورنا الأولى..
بل حتى أهل السياسة والحكومات من أعلاها إلى أدناها (درجة وظيفية) باتوا يستخدمون العمل الصحفي الخاص بهم باستثمار شهرتهم أو مكانتهم الاجتماعية والوظيفية ولنا بملايين الصفحات والعضويات على صعيد العالم وليس العراق خير دليل..
ودعوني أروي لكم هذه الحكاية التي عشتها بنفسي..
سألني أحد الصحفيين الشباب يوماً حين كنت ألقي إحدى المحاضرات عن الكيفية التي يمكن أن يتبعها إن هو رغب العمل في مجال الصحافة الاستقصائية.. وزاد في السؤال أن تحدّث لنا يا أستاذ عن طريقتك في العمل وكيف برزت في هذا المجال..؟
حقاً باغتني بسؤاله ولكن مع ذلك لابد أن أعطيه الإجابة الشافية والا سأخالف مهنيتي..!!
بعد شرح معيّن ومختصر عن الصحافة الاستقصائية وكيفية تحصيل أهم عنصر وهو الوثيقة المعززة بمعلومة مؤكدة بلا دوافع (معيّنة).. رأيته لم يقتنع وطرح سؤالاً آخر وهو.. كيف يتسنّى لي الحصول على المعلومة وحتى الوثائق يا أستاذ..؟!
أجبته هذا الأمر يتعلّق بك أنت.. لأنك ملزم أن تبني شبكة علاقات وأن لا تهمل أي فرد في الدائرة أو المؤسسة أو الوزارة أو المنطّمة التي ترغب بالتقصّي حولها..!!
قال يعني أصادق المدير المسؤول أو الوزير مثلاً..؟
رددت عليه نعم ولا..
قال كيف.. قلت صادق الجميع إن تيسّر لك ذلك ولكن الأهم في كل الحلقات هو (الفرّاش) يعني الساعي أو رجل الاستعلامات أو الأمن داخل الدائرة..!!
لأن هؤلاء هم (أصحاب القرار في كثير من الأحيان).. هنا بهت السائل ولا أدري هل أخذ بالنصيحة أم لا.. للعلم البعض ممن سيقرأ الموضوع ممكن حضّر تلك الدورة الصحفية التي جرت قبل خمسة عشر (١٥) عاماً تقريباً ودوّن ملاحظات عن المحاضرة..

الصحافة والاعلام حق للجميع وربما نجد من يتألق ويصبح مائزاً بجهوده ولنا في قنوات اليوتيوب وغيرها خير أمثلة على ما نقول لأنها أهدتنا قدرات لا يمكن اغفالها.. بل كلنا أصبحنا مقتنعون أن الصحافة يمكن تفقد أركان كثيرة منها وعلى رأسها (الورقية) التي تلفظ أنفاسها الأخيرة اليوم..
ونصيحتنا لمن أحب العمل الصحفي هي.. كن صادقاً بعملك وما تكتب وتنشر وستكسب من يتابعون ما تنشر وإن كنت صغيراً اليوم ستكبر غداً بفضل الفضاء المفتوح للجميع والذي لم يعد حكراً على أحد.. لأن من لا يواكب التطوّر هو من تلقاء نفسه سيتلاشى ومن دون أن يطلب منه أحد ذلك..!!
وختاماً نقول ربّ (وثيقة) أو صورة كاركاتيرية تغنيك عن آلاف الكلمات وتحقق ما يعجز عن تحقيقه أي قلم.. ولا ننسى أن المصدر الصحفي مكفول حقّه بالقانون على شرط أن لا يتم استغلال ذلك أو تسخيره لمصالح ذاتية..
رحم الله أبا رغال وابن العلقمي وكم تمنيت لو عاشا إلى هذا الوقت وامتلكا منصّة إلكترونية أو صفحة في الفيس بوك أو تويتر وغيرها من المواقع لعرفتم وعرفنا الحقيقة منهما كما هي وليس كما نقل لنا (بفعل تعاقب السنين) لأن لا وثيقة إلى اليوم تثبت عليهما ما تم تناقله ووصمهما بالخيانة وهي أشد جريمة يمكن ترتكب على مر العصور..!!
عذراً للإطالة... دمتم ولنا عودة إن شاء الله..

أبيه عبدالمطلب أبي لهب طه حسين العراق