الجمعة 18 يوليو 2025 04:03 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

الكاتب الصحفي جودة أبو النور يكتب: الإعلامي علي ذراع.. ضمير الصحافة الجزائرية

النهار نيوز

في السابع عشر من يوليو 2025، ودّعت الجزائر أحد أعلام الصحافة الوطنية الجزائرية علي ذراع، الذي شكّل طيلة عقود رمزًا للمهنية، والنزاهة، والصوت الرصين في المشهد الإعلامي الوطني. رجلٌ لم يكن مجرد صحفي، بل مدرسة قائمة بذاتها، أثّر في أجيال من الإعلاميين، وترك أثرًا عميقًا في مسار الصحافة الجزائرية، خصوصًا في فترات التحول السياسي والاجتماعي.

نشأة ومسيرة مهنية حافلة

وُلد علي ذراع سنة 1947، وترعرع في بيئة وطنية مشبعة بالقيم الثورية والنضالية، وهو ما انعكس بوضوح على مسيرته الإعلامية التي بدأت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث التحق مبكرًا بالعمل الصحفي عقب الاستقلال. تدرّج في مختلف المناصب، وبرز خصوصًا في الصحافة المكتوبة، أين اشتغل في عدة مؤسسات إعلامية هامة.

شغل ذراع منصب رئيس تحرير صحيفة “الشعب”، ثم تولّى إدارة مجلة “الوحدة”، قبل أن يقود يومية “المساء” التي ترك فيها بصمته التحريرية الصارمة. كما كان له دور كبير في الإعلام الحزبي والشبابي، وخاصة خلال فترات الأزمات السياسية في الجزائر.

في السنوات الأخيرة، كان الناطق الرسمي ومدير الإعلام لدى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، حيث مثّل الواجهة الإعلامية للهيئة، وأسهم في ترسيخ صورتها كمؤسسة مستقلة تحظى بالثقة.

صوت العقل والرصانة في زمن التوترات

عُرف علي ذراع بصفته صوتًا عقلانيًا وهادئًا وسط الضجيج الإعلامي. لم يكن مهووسًا بالسبق الصحفي ولا الإثارة، بل قدّم نموذجًا للصحفي المسؤول الذي يزن كلماته بعناية، ويحرص على عدم الانزلاق نحو الشعبوية أو التهويل.

خلال توليه مسؤولية الإعلام في السلطة الانتخابية، لم يتردّد في التصريح: “عهد التزوير ولى.. والمواطن اليوم هو الحكم الحقيقي”. بهذه الروح، سعى إلى إعادة ثقة المواطن في المؤسسات وفي العملية الانتخابية، مؤمنًا بأن الصحفي الحقيقي هو من يسهم في البناء لا الهدم.

التزام وطني ومواقف مشرفة

لم يكن ذراع مجرد ناقل للأخبار، بل كان صاحب موقف. وقف مع الحراك الشعبي السلمي، مدافعًا عن حق الشعب في التعبير والتغيير ضمن الأطر السلمية والدستورية. كما عبّر في أكثر من مرة عن دعمه اللامشروط للقضية الفلسطينية، معتبرًا أن الإعلام لا يمكن أن يكون محايدًا في قضايا الحق والعدالة.

وقد مثّل مثالًا يحتذى في الالتزام الأخلاقي، إذ لم يعرف عنه في أي مرحلة من مراحل حياته أنه استغل موقعه لأغراض شخصية أو سياسية، بل حافظ على خطٍّ مستقيم ميّزه عن كثير من معاصريه.

رحيله.. خسارة وطنية

بعد صراع مرير مع المرض، أُعلن عن وفاة علي ذراع في 15 يوليو 2025، بالمستشفى العسكري بعين النعجة، عن عمر ناهز 78 عامًا. وقد زاره وزير الاتصال محمد لعقاب قبل يوم من وفاته، في لفتة عكست ما كان يتمتّع به من

تقدير رسمي وشعبي

شُيّع جثمانه في جنازة مهيبة بمقبرة سيدي يحيى، وسط حضور واسع من الصحفيين، المسؤولين، وعموم المواطنين، الذين اعتبروا رحيله “خسارة لا تعوض” للصحافة الجزائرية.

إرث خالد

يرحل علي ذراع، لكن إرثه المهني يبقى. فقد ترك وراءه جيلًا من الإعلاميين الذين تتلمذوا على يده، أو تأثروا بكتاباته ومواقفه. ويظل اسمه محفورًا في ذاكرة الإعلام كأحد أعمدة الصحافة الجزائرية في مرحلة ما بعد الاستقلال، وكأحد من جسّدوا معنى الصحفي النزيه، الوطني، والحكيم

اللقاء الأخير

لقد كان اللقاء الأخير بيننا في منزل المجاهدة جميلة بوحيرد وكان معنا رجل الأعمال عبد الله والمحامية حياة وكنا نحن الأربعة في ضيافة المجاهدة الكبيرة وقضينا ساعات وساعات نتحدث معها وننهل من بحر ذكرياتها الهادر بالبطولات والتضحيات ومن بعدها كنت اتصل عليه بين الحين والآخر حتى فوجئت بخبر رحيله الذي آلمني بشدة.

نموذج فريد

ومما لاشك فيه وفي زمن اختلطت فيه مفاهيم الصحافة بين الإثارة والتضليل، وبين الانحياز والانفلات، يبقى علي ذراع نموذجًا يُحتذى به. صحفيٌ آمن بالكلمة، واحترم ضميره المهني، ولم يساوم على مبادئه. وبرحيله، تفقد الجزائر واحدًا من أنبل رجال الإعلام، لكن فكره وسيرته سيبقيان منارة لمن يأتي بعده.