الثلاثاء 19 أغسطس 2025 07:53 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : قتل أعضاء الجماعة الفلسطينية أحد أشكال جريمة الإبادة الجماعية

النهار نيوز

"غزة صارت مكانا للموت" عبارة حاكمة نطقت بها منظمة الأمم المتحدة وعلي لسان وكالاتها المتخصصة المختلفة وكبار مسؤوليها، حيث نعتوا الحالة في قطاع غزة منذ السابع أكتوبر عام 2023، وهي ذات العبارة التي وردت في طلب جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي متهمة فيه إسرائيل المحتلة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية .

أكثر من تسعين يوما مرت على الحرب التي يشهدها قطاع غزة الفلسطيني والذي تشن فيه إسرائيل حملة عسكرية شملت قصفا جويا وصاروخيا ومدفعيا وعمليات برية ميدانية أسفرت عن مقتل أكثر من22 ألف فلسطيني ،وفقا لأرقام وزارة الصحة في القطاع.

إن ما يلفت الانتباه في هذه الحرب- التي جاءت ردا على هجوم حركة حماس غير المسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023- هي أنها أحد أكثر النزاعات العسكرية تدميرا في القرن الواحد والعشرين حسب تحليلات نشرتها عدة وسائل إعلامية غربية، وذلك بعد أن أدت لدمار معظم البنية التحتية والمنازل المدنية والمساجد والكنائس وانهيار القطاع الصحي في غزة.

ولكن ما يلفت النظر أيضا في هذا النزاع المستمر منذ أكثر من90 يوما، هو الحجم الهائل للدمار الذي شهدته مدن القطاع، إذ توصلت تحليلات نشرتها وسائل إعلام أمريكية إلى تصنيف هذه الحرب بين أكثر الصراعات العسكرية تدميرا في القرن الحادي والعشرين.

شبكة سي إن الإخبارية الأمريكية نقلت عن المحلل الاستخباراتي الدفاعي والمحقق الأممي السابق في جرائم الحرب، مارك غارلاسكو قوله، إن حجم القصف الإسرائيلي الذي شهده القطاع، لم يشهده العالم في صراع مسلح منذ حرب فيتنام، التي انتهت عام 1975، أي منذ 48 عاما.

الشبكة الأمريكية نشرت نتائج تحليل معزز بتقنيات الذكاء الاصطناعي، أوضح أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل وقذائف قادرة على قتل وإصابة أشخاص في دائرة نصف قطرها 365 مترا من مكان الانفجار، ما يعادل مساحة نحو 58 ملعب كرة قدم، بعضها يبلغ وزنه 2000 رطل (907,18 كيلوغرام)، وحسب سي إن فإن هذه القنابل أكبر بأربع مرات من أكبر القنابل التي ألقاها التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة الموصل العراقية بهدف طرد التنظيم منها.

ونقلت الشبكة عن جون شابي القانوني والعضو في مجموعة سيفيك، ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي تعنى بتقليل الأضرار على المدنيين في مناطق الصراعات، قوله إن "استخدام قنابل بوزن 2000 رطل في منطقة شديدة الازدحام بالسكان مثل قطاع غزة يؤدي لنتائج سيأخذ المجتمع عقودا للتعافي منها".

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بدورها قامت بتحليل لصور الأقمار الاصطناعية الملتقطة لقطاع غزة، وتوصلت إلى أن ما تم تدميره في القطاع يفوق ما دمره النظام السوري في حملته العسكرية على مدينة حلب منذ عام 2013 إلى 2016، كما يفوق الدمار الذي تسببت به الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية عام 2017.

ونقلت الصحيفة عن ميريانا سبول جاريك ايغر رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي زارت غزة في 4 كانون الأول/ديسمبر "لا توجد مساحة آمنة، لم أمر بشارع واحد إلا ورأيت فيه دمارا للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات".

في مقالها المنشور بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2023، اعتمدت واشنطن بوست على بيانات يعود أحدثها إلى 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تبين أنه حتى ذلك التاريخ شهد القطاع الذي بلغ عدد سكانه قبل بدء النزاع أكثر من 2,375,200 نسمة، تضرر ما لا يقل عن 37 ألفا و379 مبنى، 10,049 منها دمرت بالكامل، وقالت الصحيفة إن معظم الدمار تركز في شمال غزة الذي شهد وحده دمار 29,732 مبنى 8,561 منها دمرت بالكامل.

وفي حين أن الحملة العسكرية التي شنها نظام بشار الأسد في سوريا على مدينة حلب من عام 2013 إلى عام 2016 بدعم روسي، أدت لدمار 40 في المئة من المدينة خلال ثلاث سنوات، فإن نسبة الدمار في شمال غزة قد بلغت نحو 32 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أن المباني التي دمرت بالكامل في حلب على مدى ثلاث سنوات بلغ عددها 4,773 مبنى، أي نحو 56 بالمئة من المباني التي دمرت بالكامل في شمال غزة خلال سبعة أسابيع، علما أن مساحة مدينة حلب تفوق مساحة شمال غزة بنحو مرة ونصف، حسب واشنطن بوست.

كذلك الأمر في الموصل التي تعادل مساحتها تقريبا مساحة حلب، والتي اتخذها تنظيم "الدولة الإسلامية" عاصمة لـ"خلافته". شهد شمال غزة تدمير ضعف عدد المباني التي دمرت في المدينة خلال الحملة لطرد التنظيم المتطرف منها، أما عدد المباني التي تضررت بالعموم فهو تقريبا نفسه في المدينتين، وفقا للمصدر نفسه.

ووفقا لوسائل الإعلام هذه فإن الحرب الحالية في قطاع غزة إلى جانب الحرب الدائرة في أوكرانيا والصراع في سوريا، هي النزاعات المسلحة الأكثر تدميرا وفتكا في القرن الحادي والعشرين. ومن أكثر ما يميز هذه النزاعات استهداف المستشفيات، وهو ما لم تخفه إسرائيل في هذه الحرب.

يمثل قتل أفراد الجماعة الوسيلة المباشرة التي يستخدمها الجاني أو الجناة بقصد إبادة الجماعة محل الاعتداء، سواء وقع القتل على جميع أفراد الجماعة أو على بعضهم وسواء كان القتلى من زعماء الجماعة ومن أفرادها الذين لا يحتلون فيها زعامة معينة ، ولا عبرة بجنسهم أو سنهم ، فتعد الجريمة قائمة سواء وقعت على رجال أو نساء صغاراً كانوا أم كباراً ويعرف القتل.

أكد ذلك قضاء المحكمين الدوليين ليوغسلافيا السابقة ولرواندا باعتبار أن وفاة إنسان ضحية نتيجة فعل أو امتناع عن فعل مرتكب من الجاني بقصد قتل أو إحداث ضرر جسدي في استطاعة الجاني أن يعلم وفقا للمجرى العادي للأمور أن من شأن ذلك أن يفضي إلى إحداث الوفاة.

من قبيل قتل الجماعة بالسلوك الإيجابي وبنية الإهلاك الكلي، لأسباب دينية، ما حدث في مدينة سربرنيتشا البوسنية في عام 1995 التي يقطنها أكثر من سبعة عشر ألفاً من المسلمين البوسنيين حيث قام الصرب بقصفها بالمدافع الثقيلة ثم قاموا بذبح أئمة المساجد ومثلوا بجثثهم وقد وثق قتل أكثر من (8000) مسلم قتلوا بأيدي أعضاء الحزب الديمقراطي الصربي وميليشيات صرب البوسنة العسكرية والشرطية، مع بعض المتطوعين من صربيا والجبل الأسود.

أيضا لقد فعل المحتل الإسرائيلي في قطاع غزة ما فعلته جحافل صرب البوسنة في مدينة سربرنيتشا عام 1995، حين جعلت القوات الصربية ظروف الحياة مستحيلة، بقطع كل وسائل وصول الطعان والمياه عن المدينة، وقد أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، قائد الجيش الصربي في البوسنة( ميلادتش)، بوصفه مخططا و مرتكبا لجريمة الإبادة الجماعية، ورفضت ما تقدم بع الدفاع من أن القوات الصربية لم تقض على ميع السكان، لكنها قتلت فقط الفئة القادرة على حمل السلاح في المدينة.

صفوة القول ، لن تفلح إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في إثبات أن عشرات الألاف من المدنيين الذين قتلتهم في قطاع غزة قضوا نتيجة " الأضرار الجانبية" لعملياتها العسكرية ، ولن تفلح أيضا في إقناع المحكمة أنها راعت مبادئ القانون الدولي الإنساني مثل : الإنسانية ، و الضرورة العسكرية ، والتمييز ، وغيرها من مبادئ القانون الدولي الإنساني ؛ ومن ثم تنفي توافر القصد الخاص المتطلب لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية .