الأحد 28 ديسمبر 2025 07:24 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

د / محمود ابوعميرة يكتب حين يبتسم العمر لعامٍ جديد .. اترك اثرا قبل الرحيل

النهار نيوز


مع إشراقة فجرٍ جديد، ومع انحناءة الزمن وهو يسلّم مفاتيحه لعامٍ مضى، نقف على عتبة العام الميلادي الجديد 2026م لا كمن يودّع رقماً ويستقبل رقماً، بل كأرواحٍ تتأمل، وقلوبٍ تراجع، ونفوسٍ تبحث عن معنى أعمق للزمن والحياة.
نعم اننا نقف على اعتاب عام جديد بين ما كان وما سيكون، ونلتفت خلفنا فنرى أعماراً مرّت مسرعة، تشبه أوراق الخريف حين تتساقط بصمت، في كل ورقة حكاية، وفي كل عام درس، وفي كل وجعٍ حكمة لم نفهمها إلا بعد أن عبرناها، فكم من أحلامٍ انكسرت لتعلّمنا التواضع، وكم من دمعةٍ سالت لتغسل القلب من غروره، وكم من وداعٍ علّمنا أن البقاء ليس حقاً، بل نعمة يجب ان نشكر الله عليها.
ويمضي عامٌ من أعمارنا كما تمضي الغيمة بعد أن تُفرغ ما في جوفها، فمنه ما كان مطراً رقراقاً أحيى فينا الأمل، ومنه ما كان عاصفةً هزّت القلوب لتعلّمها الصبر، عامٌ حمل أفراحاً ضحكنا لها من القلب، وأوجاعاً بكيناها في صمت، وتجاربَ ظنناها ثقيلة، فإذا بها تصنع منا بشراً أكثر نضجاً ووعياً وإنسانية.
إن استقبال العام الجديد 2026 م ليس ضجيج احتفال، بل همس وعي، يجب أن نسأل أنفسنا بصدق: هل أحببنا بما يكفي؟ هل سامحنا حين كان العفو أكرم؟ هل كنا رحمةً حين كان بوسعنا أن نكون قسوة؟
نعم إن استقبال العام الجديد ليس احتفالاً بالأيام، بل يجب ان يكون احتفاءا بالحكمة، نقف فيه وقفة صدق مع النفس، نسأل فيها: ماذا تعلّمنا؟ من سامحنا؟ ومن أحببنا بصدق؟ وأي القلوب جرحنا دون أن نشعر؟ حتى يأتينا2026 م كصفحة بيضاء، نقيّة، خجولة، تنتظر أن نكتب عليها بما نشاء، فلنكتبها بحبر الحب، لا بالحقد، وبنور العطاء، لا بأنانية العابرين. لنستقبله بقلوبٍ تعرف أن أجمل ما في الإنسان ليس ما يملكه، بل ما يمنحه للاخرين، وليس ما يقوله، بل ما يتركه من أثرٍ طيب في الأرواح.
ولنُحسن النوايا إلى الآخرين، فكم من قسوةٍ كانت بسبب سوء فهم، وكم من خصامٍ طال لأن النية لم تكن بيضاء، فالنية الطيبة لا تُغيّر الآخرين فحسب، بل تُغيّرنا نحن أولاً، وتمنح أرواحنا سلاماً لا يُشترى.
استقبلوا العام الجديد وأنتم تؤمنون أن التفاؤل عبادة القلوب، وأن الأمل ليس حلماً ساذجاً، بل قوة خفية تُبقي الإنسان واقفاً مهما تعثّر، تفاءلوا، فالله لم يخلق الغد ليكون نسخة من الأمس، بل فرصة جديدة للترميم والبداية الرائعة لفاصل جديد من الحياة.
استقبلوا العام الجديد وأنتم تؤمنون أن الجمال فعلٌ يومي: كلمة صادقة في وقتها، احتواء في لحظة ضعف، ودعاءٌ خفيّ لمن لا يعلم أننا دعونا له.
وليكن 2026 م صفحة بيضاء، لا نكتبها بالأقلام، بل تنكتبها بالقلوب، بنيةٍ طيبة، وبعينٍ ترى الخير في الناس قبل عيوبهم، وبيدٍ تعرف أن العطاء لا يُنقص، بل يُكثّر الروح، فلنستقبله بحبٍ لا يشترط المقابل، وبرحمةٍ لا تسأل عن الأسباب، وبابتسامةٍ قد تُنقذ يوماً كاملاً في حياة إنسانٍ آخر.
وأحسنوا النوايا، فحسن الظن راحة، وسوء الظن تعبٌ لا طائل منه، تذكّروا أن كل إنسان يقاتل معركة لا نراها، وأن الرحمة ليست ضعفاً، بل أعلى درجات القوة، وليكن 2026 م عاماً نختار فيه اللين حين تكون القسوة أسهل، ونختار الأمل حين يبدو اليأس أقرب.
ازرعوا في 2026 بذور الرحمة، وارووها بابتسامة صادقة، بكلمة طيبة، بيدٍ تمتدّ للمساعدة، بقلبٍ يتّسع للاختلاف، بعفوٍ يُريحكم قبل أن يُريح غيركم، فالحياة، مهما طالت، فهي رحلة قصيرة، ومحطّاتها لا تُقاس بالسنين، بل بما قدّمناه فيها من خير، وتذكّروا دائماً: نحن راحلون، لكن الأثر باقٍ والمشاعر لن تمحى ابدا من ذاكرة الاخرين.
كونوا في العام الجديد اناسا رائعين، خفيفي الظل على القلوب، عميقي الأثر في الأرواح، جميلين حتى في صمتكم، نبلاء في اختلافكم، واتركوا في حياة من مررتم بهم ذكرى أكثر من رائعة، ذكرى يقال بعدها: من هنا مرّ إنسان، وكان وجوده نعمة، فنصبح في 2026 أصدق، أنقى، وأقرب إلى إنسانيتنا .
وتفائلوا فالأمل ليس ترفاً، بل ضرورة للبقاء، ومن يزرع التفاؤل في قلبه، يكتشف أن الله يفتح له أبواباً لم يكن يراها، ودعوا قلوبكم مشرعة للضوء، فالغد لا يولد ليُعذّبنا، بل ليمنحنا فرصة أخرى لنكون أفضل.
وتذكّروا، بعمقٍ لا ينسى: الحياة رحلة قصيرة، مهما طالت، سنغادرها يوماً كما دخلناها، خفيفي الأيدي، لكننا سنترك خلفنا أثراً، إمّا ان يكون عبئاً أو يكون نعمة، فكونوا نعمة، كونوا ذكرى تُبتسم حين تُذكر، كونوا أشخاصاً يقال عنهم بعد الرحيل: كان وجوده في حياتنا حلما، وكان مروره جمالاً.
مرحباً بعامٍ جديد نريده أصدق من أعوامنا الماضية، أرحم من قسوتنا القديمة، وأقرب إلى إنسانيتنا الأولى، مرحباً بعامٍ جديد نبدأه بقلوبٍ أنقى، وأرواحٍ أوسع، وحبٍ يليق بالحياة والزمن.

محمود ابوعميرة العام الجديد اترك اثرا