السبت 23 أغسطس 2025 07:02 صـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أيمن سلامة : ضم الأقاليم المحتلة في القانون الدولي .

النهار نيوز

يُميز القانون الدولي بين الاحتلال العسكري الغاصب لأقاليم الدول ذات السيادة، كما في حالة الجولان السوري الذي احتلته إسرائيل منذ العاشر من يونيو 1967 وحتى الآن، وبين الاحتلال السلمي الاتفاقي لهذه الأقاليم من جانب آخر ؛ ففي الحالة الثانية يتم ذلك الاحتلال السلمي المؤقت، إما باتفاق كامل بين دولة الإقليم المحتل وبين دولة الاحتلال، وذلك لحماية ذلك الإقليم أو الجزيرة أو الأرخبيل الذي تعجز الدولة عن حمايته وتأمينه، ويحدث ذلك دون إكراه أو إذعان لهذه الدولة، ولكن وفقا لإرادتها الحرة.

ينشأ ذلك الاحتلال، أيضا، إذا نُص عليه في معاهدة أو اتفاقية بين الدولتين كجزاء تلجأ إليه إحداهما لتطبيقه إذا لم تف الأخرى بتعهداتها، وهذا ما نصت عليه المادة 340 من معاهدة "فرساي" من أنه في حالة إخلال ألمانيا بإحدى التزاماتها المقررة في هذه المعاهدة، يكون لدول الحلفاء أن تقوم فورا باحتلال أجزاء معينة من إقليم الراين، وقد حدث بالفعل أن احتلت الجيوش الفرنسية والبلجيكية في عام 1923 أجزاء من الإقليم الألماني.

وخلافا للاحتلال المؤقت السلمي، هناك النمط التقليدي الغالب لحالات الاحتلال، وهو ذلك النوع الذي تنهزم فيه جيوش الدولة صاحبة السيادة على ذلك الإقليم المحتل، وينتج عن ذلك انهيار الحكومة صاحبة السيادة في الدولة أو الإقليم الذي تم احتلاله، فتقوم دولة أو دول الاحتلال بإرساء سلطة أو حكومة بديلة تتولى إدارة الدولة أو الإقليم المحتل، أو جزء منه كما في حالة الجولان السوري، وتقوم بتسيير شئونه ومتابعة المرافق العامة في تأدية واجباتها وتقديم خدماتها للمواطنين.

إن الاحتلال العسكري، سواء كان سلميا اتفاقيا أم عسكريا غاصبا، لا يمكن بحال من الأحوال أن يعدم السيادة القانونية للدولة صاحبة السيادة على الإقليم المحتل أو جزء منه، ويستحيل أيضا لذلك الاحتلال أن ينقل ملكية ذلك الإقليم المحتل أو أي جزء منه لدولة الاحتلال، طالما لم يتم الاتفاق الرضائي بين دولة الاحتلال والدولة المحتلة، على ضم الأراضي المحتلة، وطالما لم تتنازل دولة الإقليم تنازلا صريحا عن ذلك الإقليم المحتل، فالتنازل عن الأقاليم أو الجزر يعني التحويل الرسمي لحق السيادة على أراضي دولة لدولة أخرى، ذلك أن التنازل الطوعي يعطي حقا شرعيا للمالك الجديد، ويتم ذلك التنازل عادة بموجب نصوص معاهدة تنازل تحدد تماما المنطقة أو الجزء الذي سينقل لسيادة الدولة الجديدة.

إن الاحتلال -أيا كان باعثه أو مصدره أو ضرورته- لا يعدو في القانون الدولي إلا أن يكون واقعة مادية، مهما طال أمده سواء استمر سنة أو أكثر من مئة عام، لأن الاحتلال حالة فعلية مؤقتة، وليست شرعية قانونية، لذا فأية تصرفات أو تدابير من قبل سلطات الاحتلال يكون من شأنها أن تغير من طبيعة أو ماهية أو طبوغرافية أو ديموغرافية الإقليم المحتل، تُعد معدومة وغير مشروعة، وتشكل جريمة دولية يجب المعاقبة عليها مساءلة سلطة الاحتلال عنها وفقا لقواعد المسؤولية الدولية.

لقد سبق لمحكمة العدل الدولية أن قطعت أي شك في ذلك بأحكام قضائية مبرمة تدحض أي أسانيد أو حجج أو مبررات لاحتلال وضم أقاليم الدول ذات السيادة ، وكان من بين هذه الأحكام القضائية الحاسمة ما أصدرته المحكمة في قضية النزاع الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو في عام 1986، حيث قضت المحكمة بأنه: "حين يثور خلاف بين السيادة القانونية على الإقليم مع السيادة الفعلية الواقعية على هذا الإقليم، فيجب رجوع الحق إلى صاحب الحق الأصلي القانوني."

جَلي أن ضم الأقاليم المحتلة التي تخضع لسيادة دولة معروفة ومعترف بها في القانون الدولي، يختلف عن وضعية الأرض المباحة أو الأرض التي لا صاحب لها Terra Nullius ، وهو مصطلح قانوني يعني أن الأرض المعنية لا مالك أو لا صاحب لها وهو ترجمة لتعبير لاتيني مستمد من القانون الروماني ويعني حرفيا « أرض ليس لأحد» ، ويستخدم هذا المصطلح في القانون الدولي لوصف الأراضي التي لم تخضع أبدا لسيادة أية دولة، أو التي تخلت عنها الدول وانتفى عنها وصف أية سيادة مسبقة عليها بشكل صريح أو ضمنا.

وترجع التطبيقات الحديثة للمصطلح إلى النظم القانونية الأوروبية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وذلك لوصف الأرض التي لم تطالب بها أية دولة ذات سيادة معترف بها من قبل القوى الأوروبية، واستخدم المصطلح خلال القرن الثامن عشر لإسباغ الشرعية على استعمار الأراضي التي تسكنها «شعوب غير متحضرة» والتي لا تعرف النظم القانونية ، ولا يحق لها تملك الممتلكات حسب النظرة الاستعمارية في ذلك الزمان.

يمتد الحظر العام والمطلق للجوء للقوة لاكتساب الأقاليم، والذي تناولته العديد من المواثيق والقرارات الدولية، ومنها المادة الثانية من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، إلى ضم الأقاليم المحتلة غصبا على إرادة الدول والشعوب. وقد تم التأكيد على ذلك المبدأ في القرار رقم 2625، المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية بين الدول، والذي ينص على أن: "أي اكتساب إقليمي يتم الحصول عليه بواسطة التهديد باستخدام القوة أو باستخدامها لن يُعترف به كأمر قانوني".

في ذات السياق، فقد درجت منظمة الأمم المتحدة على التصدي ضد كافة إجراءات الضم غير الشرعية التي قامت بها إسرائيل، سواء للضفة الغربية أو قطاع غزة أو القدس الشرقية، فضلا عن الجولان السوري المحتل. وبخصوص الجولان المحتل، تحديدا، وحين أقدمت دولة الاحتلال على إصدار قرار من الكنيست الإسرائيلي أو ما عرف بـ"قانون الجولان" والذي بمقتضاه فرضت إسرائيل القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان، لم يعترف المجتمع الدولي بالقرار الغاصب الجائر، ورفضه مجلس الأمن بأشد العبارات في قراره رقم 479 بتاريخ 17 ديسمبر عام 1981، والذي صدر بعد ثلاثة أيام فقط من القرار الإسرائيلي الغاصب. ونشير إلى أن القرار المتقدم لمجلس الأمن صدر بإجماع كافة أعضاء المجلس.

لقد أكد مجلس الأمن في قراره المتقدم أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واعتبر القرار الإسرائيلي ملغيا وباطلا ومن دون فاعلية قانونية على الصعيد الدولي، وطالب مجلس الأمن إسرائيل -بوصفها قوة محتلة- أن تلغي قرارها فورا.