الأربعاء 29 أكتوبر 2025 05:39 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

أشرف محمدين يكتب: فنّ التفاؤل… طاقة الإيمان التي تهزم العتمة

النهار نيوز

في زمنٍ تتسارع فيه الأزمات وتتراجع فيه الطمأنينة، يعود الحديث عن التفاؤل كقيمة روحية ونفسية لا غنى عنها، ليس بوصفه ترفًا معنويًا، بل ضرورة وجودية تُبقي الإنسان واقفًا رغم العواصف.

فالتفاؤل، كما يصفه الفكر الإيماني، ليس مجرد نظارة وردية نرى بها الحياة، بل هو فنّ داخلي تصنعه النفوس التي وثقت بفرج الله.

التفاؤل… وعي لا إنكار

المتفائل الحقيقي لا يعيش في إنكارٍ للواقع ولا يتغافل عن قسوته، بل يدرك أن الشدائد مراحل عابرة، وأن الباب الذي تُغلقه الدنيا قد يفتحه الله بلا سببٍ ظاهر.

هو لا يتفاءل لأن الظروف مريحة، بل لأن إيمانه العميق يخبره أن الله قادر على أن يبدّلها في لحظة. فالتاريخ، كما تشهد القصص الإنسانية والإلهية، يروي أن الفرج لا يأتي إلا بعد أشدّ درجات الضيق.

ثلاثية الثقة والصبر واليقين

تتعلّم النفوس المتفائلة أن تُسند همّها إلى السماء قبل أن تبوح به للبشر.

تُقيم يقينها على ثلاثة أعمدة راسخة: الثقة بالله، حسن الظن بقضائه، والصبر على توقيته الذي لا يشبه توقيت البشر.

ومن أدرك أن تدبير الله أوسع من تصوره، لم يعد يخشى انسداد الأبواب، لأنه يعلم أن بعضها يُغلق حماية لا حرمانًا.

نظام تفكير لا شعار

التفاؤل ليس جملة تُقال حين تنهار النفس، بل نظام تفكير ونسق حياة.

هو أن ترى في التأخير حماية، وفي الخيبة إعادة توجيه، وفي الألم مدرسةً تصنعك من جديد.

إنه أن تؤمن بأن ما كُتب لك سيأتي تامًّا ولو تأخر، وأن ما صُرف عنك قد يكون هو البلاء لو بقي.

المتفائلون… لا يسقطون

المتفائلون ليسوا أقل ألمًا من غيرهم، لكنهم أقل استسلامًا.

يبكون، لكنهم لا ينكسرون.

يتألمون، لكنهم لا يسمحون للحزن أن يقرر مصيرهم.

يعرفون أن الله حين يُغلق بابًا، لا يُغلق رحمته معه، وأن الليل مهما طال، فالصبح لا يعتذر عن قدومه.

التفاؤل… ضرورة لا رفاهية

في لحظات الانكسار، يبدو التفاؤل للبعض رفاهية، لكنه في حقيقته أكسجين الروح.

هو الدواء الذي يمنع الجرح من التحول إلى يأس، والسند الذي يعيد للقلوب قدرتها على النهوض.

فما من قلبٍ وثق بالله صدقًا إلا رأى من الفرج ما يجعله يقول يومًا:

“لو علمت الحكمة التي في التأخير، لشَكرت الله على كل ما ظننته قسوة.”

فنّ النور في قلب العتمة

التفاؤل ليس سذاجة، بل وعي عميق بأن لله في كل كسرٍ جبرًا، وفي كل ضيقٍ مخرجًا.

هو طاعة قلبية قبل أن يكون موقفًا نفسيًا، لأنه ثقة بالله قبل أن يكون ثقة بالأيام.

وفي النهاية، لم يعد البقاء للأقوى أو للأذكى، بل لمن يحمل روحه إلى الضوء رغم العتمة، ويقول بقلبٍ مطمئن:

“إن ضاق اليوم، فسيفرج غدًا… لأن الله لا يخذل من أحسن الظن به.”