الإثنين 22 ديسمبر 2025 07:34 مـ
النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز
  • جريدة النهار نيوز

رئيس مجلس الإدارة د. يحيى عبد القادر عبد الله

رئيس التحرير جودة أبو النور

المقالات

شهر رجب… حين تستيقظ ذاكرة الأمة ويتهيأ القلب للطريق

النهار نيوز


بقلم - أشرف ماهر ضلع
يأتي شهر رجب هادئًا في ظاهره، عميقًا في معناه، كأنه نداءٌ خفيٌّ في ضمير الأمة الإسلامية، يوقظ القلوب قبل أن تُوقِظها المواسم الكبرى، ويُهيئ الأرواح قبل أن تبلغ ذروة القرب في رمضان. ليس رجب شهرَ ضجيجٍ ولا موسمَ مظاهر، بل محطة وعيٍ ومراجعة، وبوابة إصلاحٍ داخلي، يعرف قيمته من أدرك أن التغيير يبدأ من القلب قبل السلوك.
رجب في ميزان التاريخ والشرع
رجب واحد من الأشهر الحُرم التي عظّمها الله منذ فجر الرسالة، فجعل لها مكانة خاصة في ميزان الزمان، فقال تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا… مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}.
وفي هذا التعظيم رسالة بالغة: أن للزمن قداسة، وأن الإنسان مطالب بأن يراجع نفسه حين يمر بزمنٍ اختاره الله ليكون أكثر صفاءً وأشد حرمة.
لم يكن رجب في وعي المسلمين الأوائل شهرًا للكسل الروحي، بل شهر التهيئة والانتباه؛ فيه تُخفَّف الضوضاء، وتُستدعى الحكمة، ويُعاد ترتيب الأولويات. فالمعصية فيه أثقل، والطاعة أعمق أثرًا، لأن القلب يكون أكثر قابلية للفهم والإنابة.
شهر الإسراء… حين ارتفعت الروح
يرتبط رجب في الذاكرة الإسلامية بحادثة الإسراء والمعراج، تلك الرحلة التي لم تكن انتقالًا في المكان فحسب، بل ارتقاءً في المعنى والغاية.
في رجب، تعلّمنا أن السماء ليست بعيدة على من صدق، وأن الأرض لا تُقاس بحدودها بل بما تصعد به الأرواح. كانت الرحلة درسًا للأمة كلها:
أن بعد العسر يُسرًا، وبعد الضيق فرجًا، وأن الرسالات العظيمة تمر بلحظات امتحان قبل أن تتجلى.
رجب… شهر إصلاح النية
قيمة رجب الكبرى أنه يعيد ترتيب الداخل؛
هو شهر لا يُطلب فيه الإكثار بقدر ما يُطلب فيه الإخلاص،
ولا يُقاس بعدد الأعمال بل بصدق التوجه.
فيه يتعلم المسلم أن يسأل نفسه:
كيف قلبي؟
أين أقف من الله؟
وماذا تبقى من روحي بعد زحام الدنيا؟
رجب يعلّم الأمة أن العبادة ليست طقسًا مؤقتًا، بل مسار حياة، وأن الإيمان لا يُختزل في مواسم، بل يتجدد في كل لحظة صدق.
بين رجب وشعبان ورمضان… هندسة الارتقاء
ليس رجب معزولًا عن السياق، بل هو بداية السلم؛
رجب للانتباه،
وشعبان للتدريب،
ورمضان للتجلي.
من أدرك قيمة رجب، دخل شعبان وهو مستعد، وبلغ رمضان وهو واعٍ، لأن القلب الذي لم يُهذَّب مبكرًا، يُرهقه الصيام بدل أن يسمو به.
رجب ورسالة الأمة اليوم
في زمن الاضطراب والتشظي، تحتاج الأمة إلى رجب أكثر من أي وقت مضى؛
تحتاج إلى شهر يعلّمها السكينة وسط الصخب،
ويعيد لها معنى الحرمة في زمن الاستباحة،
ويذكرها أن الإصلاح لا يبدأ من المنابر وحدها، بل من الضمائر.
رجب يقول للأمة:
إن القوة لا تأتي من الصراخ،
وإن النهضة لا تولد من الغضب وحده،
بل من قلبٍ عرف ربه، وعقلٍ وعى سننه، ونفسٍ تهذبت قبل أن تطالب.

رجب ليس شهرًا عابرًا في تقويم المسلمين، بل فرصة كريمة يمنحها الله لمن أراد أن يعود.
هو دعوة صامتة، لكنها صادقة،
وسؤال مفتوح لكل قلب:
هل ما زال فيك متسعٌ للصدق؟
فمن أحسن استقبال رجب، أحسن الله خاتمته في رمضان،
ومن فهم رسالته، أدرك أن الأمة لا تُبعث من جديد إلا حين تعود إلى الله… فردًا فردًا، وقلبًا قلبًا.

شهر رجب الاشهر الحرم رجب القلب